عظة البطريرك اغناطيوس يوسف الثالث يونان في القداس الإلهي الذي احتفل به غبطته مفتتحًا احتفالات السنة اليوبيليّة بمناسبة الذكرى المئويّة للمجازر التي ارتُكبت بحقّ السريان «سيفو/السوقيات»، بحضور بطاركة الكنائس الشرقيّة، مساء يوم السبت 21 شباط 2015، في كاتدرائية سيّدة البشارة/ المتحف/بيروت *
جرى التقليد أن تحتفل كنيستنا السريانيّة بعيد شفيعها مار أفرام في السبت الأوّل من الصوم الأربعيني. وهذا التقليد يذكّرنا بأنّ شمّاس الرها الذي نقيم ذكراه اليوم، قد تميّز بروحانيّة الصوم والتقشّف والشغف بعالم ما وراء هذه الفانية، ليذكّرنا بأولويّة الآب الخالق والابن الفادي والروح القدوس مكمّل النعم في حياة جميع المؤمنين.
من الألقاب التي نسبها آباؤنا الشرقيّون لقدّيسنا مار أفرام، كـــــ «شمس السريان» و«كنّارة الروح القدس»، ندرك منزلة هذا القديس النصيبيني مولدًا، والرهاوي وفاةً، الذي يكرّمه السريان كما الكنائس الشرقيّة والغربيّة عامةً. لذا أعلنه بحقّ البابا بنديكتوس الخامس عشر عام 1920، «ملفانًاً أي معلمًاً للكنيسة الجامعة». لقد عُرف هذا القديس بعمق روحانيته وبغزارة علمه، فعشق ربّه وبذل ذاته بكلّيتها خدمةً لكنيسته، ومتكرّسًا لأعمال الرحمة والمحبّة تجاه المرضى والفقراء في زمن الحروب والآفات. وكان بين الأوائل الذين أعطوا المرأة بعض حقوقها في الكنيسة، وذلك بإنشائه أجواقًا من الفتيات للترنيم والتسبيح. وخلّف لنا الألوف المؤلَّفة من الميامر، أي القصائد، والمداريش وهي الأشعار المنشَدة، إلى جانب المؤلّفات العديدة في تفسير الكتاب المقدس وفي مدح مريم العذراء، وشرح الحياة الرهبانيّة والنسكيّة، ومحاربة البدع، وغيرها الكثير. وهي مؤلّفاتٌ وصلتنا بالسريانيّة، لغته الأمّ، كما بلغات الترجمة.
لقد شاءت العناية الإلهيّة أن نقيم احتفالنا اليوم بعيد مار أفرام، شفيع كنيستنا السريانيّة، بمناسبة يشوبها الألمُ والحزن مع غلبة الفخر والاعتزاز. إنّها مناسبة افتتاح سنة الذكرى المئويّة الأولى لشهدائنا الأبرار «سيفو/السوقيات»، مئوية مشاريع الإبادة التي تعرّض لها شعبنا السرياني مع إخوتنا الأرمن والكلدان والآشوريين والروم، عام 1915، فيما كان يُسمّى آنذاك الإمبراطوريّة العثمانيّة. ومَن تُراه أفضل من بولس رسول الأمم، يمتدحُ بسالةَ الشهداء في الدفاع عن إيمانهم وتوقهم لاتّباع يسوع فاديهم: «إننا من أجلك نُمات كلّ النهار، وقد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح» (روما 8: 36).
عُرف شاول (بولس) باضطهاده المسيح في شخص تلاميذه، لكنّه بعد اهتدائه وهو على طريق دمشق، راح يحمل مشعل الإيمان محتملاً كلّ أنواع الاضطهادات حبًّا بمعلّمه وفاديه، ومعلنًا بشرى الخلاص كلؤلؤة وجدها فحفظها وأُولِع بها، راجيًا فوق كلّ رجاء حتى سفك الدم، لأنّ «لا شيء في الحياة الدنيا -كما يقول- يقدر أن يفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربنا» (روما 8: 39).
وعلى مثال رسول الأمم، سارت المسيحيّة جيلاً بعد جيل، شاهدةً لإنجيل المحبّة والسلام، وشهيدةً حبًّا بفاديها، منذ اغناطيوس النوراني شفيع كرسينا البطريركي، مرورًا بالألوف من الشهداء والشهيدات المعروفين، المكرَّمين منهم، وأولئك المجهولين الذين كُتِبت أسماؤهم في السماء. لقد كابد شعبنا السرياني على مرّ العصور صنوف الاضطهاد من تمييزٍ عنصري وتحقيرٍ وتنكيلٍ، وذلك لأنّه أراد أن يحيا إيمانه على أرضه وفي وطنه. وما يؤلمنا حقيقةً، هو أنّ مشروع الإبادة/المجزرة الذي نكّل بشعبنا، بجناحيه الأرثوذكسي والكاثوليكي، في جنوب شرق الدولة العثمانيّة، لم تقم به شعوبٌ تتصارع فيما بينها في غياهب أزمنة الجهل، بل تمّ في العصور الحديثة، على مرأى من العالم المعروف آنذاك. تلك مجازرٌ يندى لها جبين الإنسانية المتلهّية آنذاك بصراعات بسط النفوذ واكتساب الغنائم. فهناك المجرمون الذين خطّطوا لها، والبرابرة الهمجيون الذين نفّذوها، هناك من شارك بالتحريض، أو بالفعل أو بالصمت المطبَق. آلافٌ مؤلَّفةٌ من المواطنين الأبرياء، أحبار وكهنة وشمامسة، رهبان وراهبات، رجال ونساء، شبّان وشابّات، أطفال ورضّع، من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعيّة، أُهينوا وضُربوا، عُذِّبوا وسيقوا سوق الخراف للذبح، أو قُتلوا وزُجُّوا في الوديان والأنهار، وماتوا تائهين في الجبال والبراري، عطاش، جائعين… فمَن يُنصفهم…!
لم يحمل هذا الشعب البريء والمسالم سلاحًا ليعتدي به على أحد أو لينتقم من الذين ينوون له شرًّا. وما اتُّهم بجرمٍ أو جريرة، بثورةٍ أو خيانةٍ إلا كذبًا وتلفيقًا…! جريمته الوحيدة بل خطيئته التي لا تُغتفر، أنّه لم يكن يُدين بدِين الأغلبيّة التي أعمى قلبها الحقد والتكفير. ما ذنبُ جدودنا وجداتنا المسالمين الشهداء، إن هاموا بحبّ معلّمهم السماوي حتّى الموت، ولا شيء استطاع أن يفصلهم عن حبّه!
جئنا اليوم أيّها الاحباء لنصلّي في ذكرى شهدائنا، الذين بذلوا كلّ شيءٍ شهادةً لإيمانهم البطولي حتى سفك الدم، على خطى الربّ يسوع، مثالنا في الحبّ والفداء. وها آباؤنا السريان يتغنّون بالشهداء وبثمار شهادتهم، إذ يقولون:
“ܠܟܽܘܢ ܛܽܘܒܰܝܟܽܘܢ ܣܳܗܕ̈ܐ ܚܠܝ̈ܨܐ ܕܡܫܝܚܐ ܕܒܕܡܐ ܕܨܘܪ̈ܝܟܘܢ ܫܪܪܬܘܢ ܠܗܝܡܢܘܬܐ ܕܝܠܟܘܢ. ܘܗܘܝܬܘܢ ܚܕܘ̈ܓܐ ܫܦܝܪ̈ܐ ܘܡܨܒ̈ܬܝ ܒܓܘ̈ܢܐ ܗܕܝܪ̈ܐ ܒܡܫܬܘܬܗ ܕܐܡܪܐ ܫܡܝܢܐ”.
«طوباكم يا شهداء المسيح الشجعان إذ ثبّتّم إيمانكم بدم أعناقكم. وأضحيتم مدعوين متميّزين في وليمة الحمل السماوي، إذ ترفلون بالألوان البهية».
لماذا كان كلّ هذا الظلم والتعسّف؟ لماذا هذا التطهير العرقي؟ لماذا هذا الشعور القومي المتطرّف؟ فيما نحن نسيجٌ واحدٌ اجتماعيًّا وتاريخيًّا؟! وها نحن اليوم نطالب باستعادة ما اغتُصب من أملاك كنيستنا، وهذا من أبسط حقوقنا، وفي مقدّمة هذه كلّها مقرّ كرسينا البطريركي في ماردين الذي تحوّل الآن إلى متحف حكومي.
في نظرةٍ عامةٍ وجولة أفقٍ حول شرقنا الرازح تحت وطأة الحروب والنزاعات والذي تتآكله المصالح والصراعات، نرى كم يشبه يومُنا الحاضر الأمسَ القريب والبعيد. فمن العراق إلى سوريا، ومن الأراضي المقدّسة إلى مصر، بلادنا المشرقيّة تنزف دمًا ودمارًا وخرابًا. نحن نعيش مجدّدًا في زمن المحن والنكبات: في العراق منذ أكثر من عقدين، وفي سوريا منذ أربعة أعوام. لكن رغم الآلام التي تحلّ بنا، نحن على ثقةٍ بأنّ الله «يوجِد من المحنة خلاصاً»، فهو الراعي الصالح الذي يسهر على القطيع ويشجّعه للانطلاق في جدّة الحياة بإيمانٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأنواء، ولا تنال منه الشدائد.
تدمع عيوننا وتتفطّر قلوبنا عندما نعاين، رغم أنّنا في الألفيّة الثالثة، تلك المجموعات الإرهابيّة التكفيريّة تعيث الفساد من حولها وتفتك بالبشر والحجر، وتعود بنا إلى عصر الظلمات، وتحكم بقتل الناس وذبحهم لمجرّد أنّهم لا يقرّون بما تؤمن به. هذه الجماعات غريبةٌ عن منطقتنا رغم تخلّف الأنظمة في غالبيتها القصوى عن اللحاق بركب التمدُّن، ونشر مساواة المواطنة الكاملة بين الجميع، على اختلاف انتماءاتهم الدينيّة والعرقيّة والمذهبيّة. وكان من حقّ المسيحيين أن يعيشوا بروح المواطنة العادلة، وقد تفاعلوا دون مركّب نقصٍ مع إخوتهم المنتمين إلى الأغلبيّة الدينيّة.
إنّنا ننظر إلى مكوّنات الشعب العراقي الممزّق، ونبكي مع الباكين من أعضاء كنيستنا المتألّمة هناك. عشرات الآلاف من المشرَّدين والمهجَّرين داخل وطنهم، وقد زارهم معنا في آب الماضي، تعبيرًا عن روح الشراكة، إخوتنا البطاركة الثلاثة الحاضرون معنا هذا المساء. كما أنّنا تفقّدنا أحوالهم مراتٍ عديدةً كانت آخرها في الأسبوع الماضي. أجل، قلوبنا تعصر ألمًا لما حلّ بهم وبمئات الآلاف من مكوّناتٍ أخرى مستضعَفةٍ ومُهانةٍ، لقد اقتُلعوا من بيوتهم وقراهم وبلداتهم إثرَ غزواتٍ بربريةٍ في حزيران وآب المنصرمين، فساحوا هائمين على وجوههم تحت كلّ سماء. كيف لا تدمى قلوبنا وأجراس كنائسنا في الموصل وسهل نينوى، وللمرّة الأولى منذ فجر المسيحيّة، لا تُقرع معلنةً الصلوات والقداديس والاحتفالات الروحيّة. كيف نسكتُ فلا نثور للنكبة التي حلّت بكامل أبرشيتنا هناك، إذ أُرغم المطران والعشرات من الإكليروس والراهبات والرهبان مع الآلاف المؤلّفة من المؤمنين على النزوح إلى العراء بسبب همجية الإرهابيين التكفيريين، التي صبّت زيتاً على نار الصراعات المذهبيّة العبثيّة في بلاد الرافدين، والتي لا تزال تلقى الدعم من أنظمةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ تستغبي شعوبنا باستنكاراتٍ جوفاء!
لقد دعونا وإخوتنا البطاركة المسؤولين من ذوي الإرادات الصالحة محلّيًا وإقليميًّا وعالميًّا، للعمل الجادّ والدؤوب بغية تحرير مناطق شعبنا المغتصَبة، ليعود المهجَّرون قسرًا دون ذنبَ، إلى قراهم وبلداتهم وكنائسهم. وندعو الحكومات المعنيّة إلى إحقاق العدل بالتعويض عن نتائج الغزو والسرقات والدمار، وتفعيلٍ جدّي للمصالحة بين المكوّنات المظلومة والجيران المعتدين. ومع أنّنا ندرك أوضاع أهلنا المأساوية، نقول لهم: «لا تخافوا، فإنّ الفجر قريبٌ، والخلاص آتٍ، ولا بدّ لإله الخير أن يقهر إبليس وجنوده، فتعودوا إلى أرض الآباء والأجداد. إنّها أرضكم، أرضٌ مقدَّسةٌ تستأهل أن تعودوا إليها، رغم هول الخيانات التي حلّت بكم وفداحة الآلام والمآسي التي ألمّت بكم ظلمًا، لتعيشوا فيها الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام».
ونتوجّه بفكرنا إلى شعب سوريا المتألّمة، نشاركُه من أعماق القلب لما أصابه ويصيبه من نزاعاتٍ وخضّات عنفٍ وحربٍ مدمّرةٍ منذ أربع سنوات. صراعاتٌ بين الأشقّاء غذّاها الحاقدون، دمارًا للحجر وتنكيلاً بالبشر. والعالم إمّا متغافلٌ وغارقٌ في سُباتٍ عميقٍ، وإمّا متآمرٌ وساعٍ لزرع بذار الشقاق وتأجيج نار الفتن المذهبية، بحجّة البلوغ إلى أنظمة ما تسمّى «الديمقراطيّة العدديّة»، حيث هدف الأغلبيّة أن تسود دينًا وقانونًا وفعلاً، دون الاعتراف بحقوق المكوّنات الصغرى وتطمينها. هل من عاقلٍ يقرّ بأنّ ما تسمّيه قوى المعارضة ثورةً شعبيّةً سلميّةً، يبشّر بإطلالة سوريا حرّة أبيّة وديمقراطيّة بعد هذا الدمار والقتل والإجرام؟ ألم يحن الوقت كي يتحرّك المجتمع الدولي ويقوم بمبادراتٍ إيجابيّةٍ تنهي مأساة هذا الشعب؟!
إنّنا نسأل الله أن يشفق على الملايين من الأبرياء، من المقيمين والنازحين في الجارة سوريا وخارجها، كي يحكّموا العقل والضمير، فيتواكبوا مع ذوي النيّات الحسنة والإرادات الصالحة في مسيرة المصالحة والحوار والتآخي رحمةً ببلدهم وبحضارته الإنسانيّة العريقة. كما نناشد الضمير العالمي، ببذل الجهود الحثيثة لإطلاق سراح جميع المخطوفين، وبخاصّةٍ أخوينا المطرانَين يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة، وكلّ المخطوفين بسبب هذه الحرب الدائرة رحاها بعبثيةٍ مخيفة. نصلّي في زمن الصوم هذا كي ينقشع سواد المحن والكوارث التي حلّت بسوريا والعراق، ليشرق عليهما نور القيامة المعزّي والمبشّر بالخير والسلام.
أمّا وطننا الحبيب لبنان، فليس مَن يجهل أو يتجاهل الأزمات السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تعصف به من كلّ حدبٍ وصوب. فها هم المسؤولون يتهاونون بالدستور فلا ينتخبون رئيسًا للجمهوريّة، والخاطفون لا يزالون يحتجزون جنودنا الأبطال، مهدّدين أهلهم يوميًّا بذبحهم. ناهيك عن تردّي الأوضاع على مختلف الصعد، وليس آخرها الفضائح المتنقّلة في الفساد الغذائي، ممّا يضعف ثقة المواطنين، ويضرّ بسمعة لبنان حول العالم. ولا ننسى المآسي التي يعيشها الملايين من النازحين على أرضه، سيّما الأطفال الأبرياء، وذلك بسبب الصراعات المتفاقمة في سوريا والعراق. وما يزيد في الطين بلّة، التهديدات الإرهابيّة المتّشحة بلباس المذهبيّة المكفِّرة، والتي جاءت تهزّ كيان وطننا لبنان المميَّز بين بلدان المنطقة بالانفتاح والتعدُّديّة والمساواة والحرّيّة. نضمّ صوتنا إلى أصوات إخوتنا البطاركة، وندعو الجميع إلى رصّ الصفوف، للحفاظ على لبناننا الغالي صيغةً وميثاقًا ودستورًا، وندعم جيشه الأبي وقواه الأمنيّة دون قيدٍ أو شرط، مقدّرين تضحياتهم الجسام في سبيل الدفاع عن الوطن. عندئذ فقط يحقّ لنا أن نعترف بلبنان الرسالة الفريدة لمحيطه وللعالم، في العيش الواحد، وفي قبول الآخر دون تمييزٍ ديني أو مذهبي.
ولا يفوتنا أن نجدّد استنكارنا وإدانتنا للعمل الإرهابي الهمجي الذي أدّى إلى استشهاد 21 مؤمنًا من الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، وقد عزّينا رئيسها قداسة البابا تواضروس الثاني وشعب مصر بكل أطيافه.
أيّها الأحبّاء،
الجميع يعلم بأنّنا، نحن السريان، إنطلاقًا من هذا المشرق المعذَّب عبرَ تاريخه القديم والحديث والمعاصر، أنرنا العالم بالعلم والمعرفة، ونثرنا مواهبنا شعرًا وفكرًا وترجمة. وقد جاءت شهادتنا لإنجيل المحبّة والسلام، معمَّدةً بالدم ومكلَّلةً بغار الإستشهاد… أهدينا الشعوب حضارةً ورُقيًّا، ولم نسلب أحدًا، ولم نعتدِ على غيرنا، ولا طمعنا بسلطةٍ وحكمٍ، ولا اغتصبنا أرضًا، ولا شرّدنا شعبًا، وستبقى حضارتنا السريانيّة الآراميّة الأمّ نبراسًا لتلاقي الأمم والأعراق والديانات.
نحن لسنا دعاة عنفٍ أو انتقام، إنّما دعاة سلامٍ ومحبّةٍ وتسامُح. نستذكر شهداءنا للعبرة والصلاة والتشجيع على التمسّك بالإيمان، إذ أضحت دماؤهم الزكية بذارًا لإيمان الخلاص وشهادةً لإنجيل المحبّة والسلام في منطقةٍ مشرقيّةٍ لا تزال ترزح تحت ثقل الإرهاب والتطرّف والتعصّب الديني الهمجي والأعمى. نذكُرهم طالبين شفاعتهم كي نتطلّع نحو مستقبلٍ أفضل، برجاءٍ ثابتٍ بربّنا الفادي إله السلام، آملين أن يقتنع جميع المواطنين في بلدان الشرق الأوسط بهذه المقولة التي تردّدها غالبيتهم: «الدين لله والوطن للجميع!».
إليكم نتوجّه يا أحبّاءنا في بلاد الشرق وعالم الانتشار، في أوروبا وأميركا وأستراليا، أنتم أولاد الشهداء والشهيدات وأحفادهم، حافظوا على مَعين الرجاء تستقونه من إيمانكم. وتمسّكوا بكنيستكم الأمّ ولغتها السريانيّة التي باركها الربّ والعذراء مريم والدته والرسل والعديدون من الآباء والقدّيسين والقدّيسات. لا تنسوا جذوركم في أرض شرقنا ذي الحضارة العريقة. عهدُنا لكم أنّنا معكم سنحافظ على الأمانة لهويتنا ورسالتنا. والله نسأل أن يؤهّلنا لنكون شهودًا لمحبّته، ومبشّرين بسلامه على الدوام. آمين.
وفي الختام كلمة شكر لوسائل الإعلام الي تغطّي وقائع هذا القداس الاحتفالي وتنقله إلى لبنان والعالم اليوم أو غدًا صباحًا، برعاية المركز الكاثوليكي للإعلام، كما نشكر جميع الذين تعبوا في إعداد وخدمة هذا القداس.
____________________
* http://www.syr-cath.org/news/display/2172