شهادات موثقة تُشير إلى استشهاد المطران الشهيد أدي شير (1867-1915)
بقلم الشمّاس نوري إيشوع مندو
المقدّمة
منذ أن قدّم المسيح ذاته ذبيحة حيّة على الصليب من أجل خلاص البشر، لم تكفّ الجماعات التي آمنت به عن تقديم ذاتها ذبيحة عطرة لخلاص العالم. فلا عجب إذًا أن نرى كنيسة المشرق تفخر بأبنائها الذين عاشوا بحسب تعاليم الإنجيل، واستُشهدوا ليكونوا نورًا يهتدي به العالم إلى الخلاص، وأصبحت دماءهم بذورًا خصبة للمسيحية، أنبتت ثمارًا يانعة مفعمة بعبق الإيمان والرجاء والمحبّة.
وفي المذابح التي جرت في السلطنة العثمانيّة سنة 1915، قدّمت كنيسة المشرق أكثر من مئة ألف شهيد، بينهم أساقفة وكهنة وشمامسة. وفي هذه العجالة سنتحدّث عن مار أدي شير، مطران أبرشيّة سْعرت الكلدانيّة، أحد هؤلاء الشهداء العظام الذي سُفك دمه الزكي جزاء إيمانه بالمسيح. وسوف نتطرّق في بحثنا هذا إلى نقاط ثلاث هي: أولاً: حياته، ثانيًا: أثاره الأدبيّة، ثالثًا: شهادات عن قصّة استشهاده.
أوّلاً : حيـــــاته
وُلد صليوا في بلدة شقلاوة 1 شمال العراق، في شباط 1867، من أبوين فاضلين، هما القسّ يعقوب شير 2 وبربارة. ترعرع في جوّ مشبع بروح الإيمان، وتعّلم الكلدانيّة على والده الكاهن، وما لبث أن أخذ يساعد والده في تلقين أولاد الرعيّة مبادئ التعليم المسيحي واللغة الطقسيّة. توفيت والدته وهو في مقتبل العمر، فترك رحيلها في قلبه أثرًا أليمًا جدًّا.
سنة 1880 لبّى دعوة الأب جاك ريتوريه الدومينيكي 3 لدخول معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل 4 . واضطرّ لمضاعفة جهوده للإلحاق برفاقه الذين كانوا قد سبقوه في تعلّم اللغتين العربيّة والفرنسيّة. إلاّ أنّ أتعابه تكلّلت بالنجاح، فنال قصب السبق على أقرانه، فأتقن الكلدانيّة وبرع في العربيّة والفرنسيّة واللاتينيّة والتركيّة، وانكبّ على الفلسفة واللاهوت والتاريخ بنوع خاصّ. وبعد أن قضى تسع سنوات في معهد مار يوحنا الحبيب، تمّت رسامته الكهنوتيّة على يد مار إيليا عبو اليونان 5 بطريرك الكلدان باسم القسّ أدي، وذلك في 15 آب 1889، في كاتدرائية مسكنتا بالموصل. وبعد الرسامة قصد بلدته شقلاوة واهتمّ بتعليم الناشئة، ولم تمضي ستة أشهر حتى استدعاه المطران جبرائيل آدمو 6 ، رئيس أساقفة كركوك، فجعله كاتم أسراره.
ولما انتقل المطران آدمو إلى جوار ربّه، سنة 1889، عيّنه البطريرك عبد يشوع خياط 7 مدبّرًا بطريركيًّا لأبرشيّة كركوك، وكان يقضي نهاره في تعليم الأولاد وخدمة الرعيّة، ويحيي الليل بالقراءة والتأليف ودرس اللغات، فتعلّم العبريّة واليونانيّة والفارسيّة والكرديّة، وألمّ بالألمانيّة والإنكليزيّة. وأسّس مدارس في جميع مراكز الأبرشيّة، وأقام فيها أخويات دينيّة عديدة، وترجم صلوات طقسيّة إلى اللغة التركيّة. وعندما انتُخب المطران يوسف خياط 8 مطرانًا لأبرشيّة كركوك، اتخذه أمينًا لسرّه.
وأثر انتخاب مار عمانوئيل توما 9 مطران سْعرت 10 بطريركًا، سنة 1900، ظلّ كرسي أبرشيّة سْعرت شاغرًا مدّة سنتين. وفي سنة 1902 انتخب أدي شير مطرانًا لها، وتمّت سيامته في 13 تشرين الثاني، وبعد أيّام قلائل غادر الموصل إلى مركزه الجديد.
كانت أبرشيّة سْعرت مترامية الأطراف، تشمل العشرات من القرى المنتشرة في جبال البوتان 11 وقضاء غرزان 12 . وكانت أغلب هذه القرى منكوبة وفقيرة بسبب ظلم الآغوات الأكراد الذين كانوا يعبثون بممتلكات المسيحيين، بسبب غياب سلطة الحكومة، فراح يفكّر ويعمل لسدّ عوز أهاليها. سافر إلى أوروبا في أيلول سنة 1908 عن طريق ديار بكر فأورفا فحلب فبيروت. ثمّ أبحر إلى إسطنبول، وقابل السلطان عبد الحميد 13 ، ومنها انتقل إلى روما، ومثل أمام الأب الأقدس بيوس العاشر 14 . وبعد أن زار الأماكن المقدّسة في روما، غادر إلى باريس حيث اتصل بعدد كبير من المستشرقين، ونشر بعض مؤلفاته، كما جمع مبلغًا من المال أنفقه لدى عودته على تعمير أبرشيته.
وكانت تربطه صداقة متينة مع آل بدر خان، أمراء البوتان 15 ، ولا سيما مع عميدهم كامل بك، فأفاد جماعته كثيرًا ملعت نار الحرب العالميّة الأولى، واندحر الجيش العثماني في منطقة وان أمام الجيش الروسي، فراح الجيش العثماني ينتقم ممن يعترض سبيله من المسيحيين. فاستدعى حلمي بك، والي سْعرت، المطران أدي شير، وأشعره بالخطر، فدفع له المطران أدي شير 400 ليرة ذهبية لقاء وعده بالحماية له ولأبناء رعيته.
وعند تفاقم الأوضاع لجأ إلى الهرب لكي يدبّر وسيلة نجاة لرعاياه، فقصد متنكرًا قرية في جبال البوتان حتّى افتضح أمره، فأُلقي القبض عليه بعد أن قتل خادمه ورجل آخر كان معه، واقتادوه إلى تلّ بين قريتي دير شوا 16 وعيني 17 وهناك قتلوه، وكان ذلك في 17 حزيران 1915 18 .
ثانيًا : أثــاره الأدبيّة
كان أدي شير قد ترعرع منذ صغره في جوّ مشبع بالعلم وحبّ التاريخ. فراح يدرس وينقّب ويزور الأديرة والمكتبات لجمع المعلومات وتقصّي الحقائق التاريخيّة، فوجد ضالته في مكتبة مطرانية سْعرت، ومكتبة دير مار يعقوب الحبيس 19 قرب سْعرت، هاتين المكتبتين الشهيرتين، بغنى ما تحتويان من كتب ومخطوطات. وأغنى مكتبة سْعرت بأشهر الكتب التاريخيّة التي ظهرت في أوروبا يومذاك. كما أنّه كان على اتصال دائم بالمستشرقين. فأضحى دائرة معارف، وموسوعة تاريخيّة، والرجل الثقة صاحب الرأي النافذ في زمانه، لا سيما فيما يخصّ تاريخ أمّته. فمنح وسامًا، وقُـلّد شرف العضوية في جمعيّة العلماء والمستشرقين تقديرًا لآرائه العلميّة الصائبة.
وانصرف إلى الكتابة، فراح يتحف المجلات والصحف، وخاصّة “المشرق” البيروتية التي أسّسها الأب لويس شيخو اليسوعي 20 ، ومجلّة “الشرق المسيحي” و”الباتروجيا الشرقية” ومجلّة “المكاتب” بمقالات قيّمة، منها مترجمة، ومنها من تأليفه. كما كان يؤلّـف الكتب، ويحقّق المخطوطات.
وفيما يلي آثاره المطبوعة، كما نشرها الأب جان فييه الدومينيكي 21 في مجلة «ANALECTA BOLLANDIANA » مجلّد 83، ص. 121142:
1- كتاب الصلوات بالكلدانيّة: طُبع في مطبعة الآباء الدومينيكان بالموصل سنة 1891، وعدد صفحاته 303، وفيه ثلاثة فصول هي: قوانين تساعد المسيحي لكي يحيا حياة قداسة، صلوات يوميّة، عبادات أخرى.
2- مقالة في الطقس الكلداني: وضعها بالاشتراك مع الأب بطرس نصري 22 ، ونشرها في مجلة المشرق البيروتية سنة 1900 ص. 817878.
3- كتاب المنتخبات الكلدانيّة (قطبتا)، مع معجم لشرح الكلمات. طُبع في الموصل سنة 1898.
4- كتاب سير أشهر شهداء المشرق القديسين (بالعربيّة): جزاءن طُبعا في الموصل. الجزء الأول طُبع سنة 1900 وعدد صحائفه 425 يبحث فيه عن رسل المشرق الأوائل ودخول المسيحية إلى هذه البلاد والشهداء الذين قُتلوا في عهد شابور الثاني. والجزء الثاني طُبع سنة 1906 وعدد صحائفه 428 ويبحث عن أشهر الملافنة وشهداء كركوك.
5- نبذة في بعض الرجال الذين اشتهروا في الطائفة الكلدانيّة: وضعها بالاشتراك مع الأب بطرس نصري، ونُشرت في مجلّة المشرق سنة 1901 ص 847855.
6- إكليل مريم العذراء (بالكلدانيّة): بطبعتين كبيرة وصغيرة، طُبع في الموصل سنة 1904، ويتناول فضائل مريم وقدرتها وعبادة الكنيسة لها، وبعض المدائح المقتطفة من الطقس الكلداني.
7- مدرسة نصيبين الشهيرة (بالعربيّة): طُبع في بيروت سنة 1905، وعدد صحائفه 59، ويحتوي نبذة تاريخية عن أصل هذه المدرسة وقوانينها والعلماء الذين تخرّجوا فيها.
8- جدول المخطوطات الكلدانيّة والعربيّة في مكتبة سْعرت (بالكلدانيّة): مع فهرست بأسماء المؤلفين حسب الأحرف الأبجدية، وعدد صفائحه 101.
9- ترجمة داديشوع القطري ومؤلفاته (بالفرنسيّة): نُشر في الجريدة الآسيوية سلسلة 10، مجلّد 7، سنة 1906، ص. 103215.
10- جدول مخطوطات دير السيدة بالقرب من ألقوش (بالفرنسيّة): نُشر في الجريدة الآسيوية، سلسلة 10، المجلّد 7،7 سنة 1906، ص. 479512، والمجلّد 8، ص. 5665.
11- تحليل تاريخ دير سبريشوع من بيت قوقا (بالفرنسيّة): نُشر في مجلّة «الشرق المسيحي»، سلسلة 2، المجلّد 1، سنة 1906، ص. 182197.
12- دراسة ضافية عن مكتبة السريان الشرقيين (بالفرنسيّة): نُشرت في مجلّة «الشرق المسيحي»، سلسلة 2، المجلّد 1، ص. 132.
13- تحليل تاريخ ربان برعيتا (بالفرنسية): نُشر في مجلّة «الشرق العربي»، سلسلة 2، المجلّد 1، ص. 403423، والمجلّد 2، ص. 913.
14- مقالة في حياة وأعمال يوحنا برفنكابي (بالفرنسيّة): نُشرت في «الجريدة الآسيوية»، المجلّد 10، سنة 1907، ص. 161187.
15- نبذة عن المخطوطات الكلدانيّة والعربيّة في مكتبة مطرانيّة ديار بكر الكلدانيّة (بالفرنسيّة): نُشرت في «الجريدة الآسيوية»، المجلّد 10، ص. 331362، و 385431.
16- نبذة عن المخطوطات الكلدانيّة المحفوظة في المكتبة البطريركيّة الكلدانيّة بالموصل (بالفرنسيّة): نُشرت في مجلّة «المكاتب»، المجلّد 17، سنة 1907، ص. 237260.
17- تاريخ سْعرت: جزاءن نُشرا في سلسلة الباترولوجيا الشرقيّة في السنوات 1907 و1918. الجزء الأوّل في المجلّد 4، ص. 215313، والمجلّد 5، ص. 317344 ؛ والجزء الثاني في المجلّد 7، ص. 95203، والمجلّد 13، ص. 435639. وعاونه آخرون في الترجمة الفرنسيّة.
18- في سبب تأسيس المدارس لبرحذبشبا عربايا (النصّ الكلداني مع ترجمته الفرنسيّة): نُشر في سلسلة الباترولوجيا الشرقيّة، المجلّد 4، ص. 316404.
19- نبذة عن المخطوطات الكلدانيّة والعربيّة التي كانت محفوظة في مطرانيّة ماردين الكلدانيّة (بالفرنسيّة): نُشرت في مجلّة «المكاتب»، المجلّد 18، سنة 1908، ص. 6495.
20- كتاب الألفاظ الفارسيّة المعرّبة: نُشر في بيروت سنة 1908، وأُعيد نشره في طهران سنة 1965.
21- نبذة عن المخطوطات الكلدانيّة في متحف بورجيا (بالفرنسيّة): نُشرت في «الجريدة الآسيوية»، سلسلة 10، المجلّد 13، سنة 1909، ص. 249287.
22- الكاتب الكلداني يوسف حزايا من القرن الثامن (بالفرنسيةّ): نُشر في مجلّة أكاديمية المخطوطات والدراسات الأدبيّة في باريس ، سنة 1909، ص. 300307.
23- مقالة إيشاي الملفان وحنانا الحديابي في الشهداء وجمعة الذهب والطلبات، يليها صورة الإيمان التي يدلي بها الأساقفة قبل رسامتهم (بالفرنسيّة): نُشرت في الباترولوجيا الشرقيّة، المجلّد 7، سنة 1909، ص. 191.
24- حوادث من تاريخ كردستان (بالفرنسيّة): استقاها من مخطوطات عدّة، ووضع فصلاً إضافيًّا لها. نُشرت في «الجريدة الآسيوية»، سلسلة 10، المجلّد 15، سنة 1910، ص. 119139.
25- كتاب اسكولين تيودورس برقوني: نُشر النصّ بمجلّدين في مجموعة الكتبة المسيحيين الشرقيين، المجلّد 1، عدد 55/ 19 كلداني سنة 1910، والمجلّد الثاني عدد 69/ 26 كلداني سنة 1912.
26- اعتبارات ونقد لآلام بعض الشهداء الفرس (بالعربيّة): نُشر في مجلّة «المشرق» سنة 1912، ص. 503509.
27- تاريخ كلدو وآثور (بالعربيّة): جزاءن طُبعا في بيروت، المجلّد الأوّل طُبع سنة 1912، يتناول فيه تاريخ الأمّة الكلدانيّة الآشوريّة القديمة، ويقع في 185 صفحة ؛ والمجلّد الثاني طُبع سنة 1913، ويتناول تاريخ الكنيسة الكلدانيّة النسطوريّة حتّى مجيء الإسلام، ويقع في 312 صفحة مع خرائط.
أمّا أثاره غير المطبوعة أو المفقودة فهي:
1- كتاب جنّة المؤلفين: يبحث عن أدباء الكنيسة الشرقيّة منذ البداية وحتّى القرن التاسع عشر، ويقع في 412 صفحة. مفقود.
2- تاريخ كركوك: مترجم من التركيّة إلى العربيّة، موجود في مكتبة مطرانيّة كركوك.
3- كتاب قواعد السورث: وهي اللهجة الكلدانيّة المحكيّة أو الدارجة. مفقود.
4- كتاب استشهاد أخيه بيوكا: مفقود.
5- الجزء الثالث من كتاب كلدو وآثور: مفقود.
ثالثًا : شهادات عن قصة استشهاده
كتب العديد من المؤرّخين عن استشهاد الحبر الجليل مار أدي شير، وقد استقصوا معلوماتهم عن هذا الحدث الجلل، من خلال ما سمعوه من أشخاص كانوا شهود عيان لما جرى بحقّ هذا الشهيد، كانوا قد التقوا بهم بعد هدوء العاصفة. ومع وجود اختلاف في بعض النقاط بين شهادة وأخرى، لكنّ المضمون يبقى واحد. وقد اخترنا الشهادات التالية:
1- شهادة الأب بولس بيرو 23
سبق قبل أن تُسفر القافلة الأولى أن أُوقف مار أدي شير، وعُهد أمر حراسته إلى أحد أفراد شرطة سْعرت، المدعو نور الله بن مولود. وبقي سيادته مسجونًا في قبو المركز الحكومي. وهناك لقي أصناف الإهانات، وعانى من الحرمان، وجُرّد من ماله ومن مال الكنيسة، بعد أن هدّدوه بالقتل. حاول إنقاذه أحد آغوات طنزي، المدعو عثمان آغا، ردًّا منه على المعروف الذي أسداه نحوه سيادته، وعلى الخدمات الجليلة التي قدّمها له في مناسبات عدّة، بالأخصّ لقاء ما أبداه سيادته من عطف نحو عائلة بدر خان، أمير أكراد بوتان. فما أن بلغ عثمان نبأ توقيف المطران أدي شير، حتى بادر إلى إنقاذه في الحال مخاطرًا بحياته، فأرسل إلى سْعرت 15 من رجاله الشجعان مدججين بالسلاح. فتوجهوا إلى منزل نور الله، وأنذروه وهدّدوه باسم الآغا عثمان، إن لم يسلم إليهم المطران أدي شير سالمًا معافى، سينهبون قطعانه ويحرقون مزارعه. فرضخ للأمر الواقع، وفضل أن يسلم لهم المطران من أن يخسر قطعانه وزرعه. لذا أسلمه لهم، فهربوا به متسترين تحت جنح الليل، حتى بلغوا به قرية طنزي 24 ، مقرّ إقامة الآغا عثمان، الواقعة على بعد ست ساعات سيرًا على الأقدام من سْعرت، وهناك رحّب به الآغا أحرّ ترحيب. إلاّ أنّ الشرطي نور الدين، الموكول على حراسة المطران، تعرّض إلى سخط رؤسائه وعقابهم، رغم محاولته تبرئة ذاته بتبرير موقفه. وفي تزاحم تلك الأحداث اضطر عثمان آغا، هو ورجاله، إلى مغادرة القرية، لردّ هجوم قام به أعداؤه على ممتلكاته. ولحرصه الشديد على حياة المطران، خبأه بكهف في هضبة «ديري بسان» 25 .
إلاّ أنّ محمد أفندي، أخ النائب عبد الرزاق، ذلك المشهود له بحقده على المسيحيين، وتعطشه إلى دمائهم، أبلغ السلطات بهرب المطران واختفائه. فكلّف الملازم الأوّل حمدي أفندي بقيادة كتيبة من الخيالة، ليتعقب أثار المطران الهارب. وفي «ديري بسان» اشتبك رجال الأمن العثماني مع حراس المطران، في معركة غير متكافئة لم يصمدوا فيها طويلاً أمام عدد وعدّة المهاجمين، إذ حين نفذت ذخيرة الحراس لاذوا بالفرار، تاركين المطران لقدره، فريسة بين أيدي مجرمين خلت قلوبهم من المشاعر الإنسانيّة. وحالما وجدوه، أطلقوا عليه وابلاً من نيران بنادقهم، فأردوه قتيلاً مضرجًا بدمائه. وهكذا فارق الحياة هذا المؤرّخ الكبير، والحبر الأثيل، الذي أدّى خدمات جليلة لأمّته والإنسانيّة. وتحيّة إجلال للأكراد هؤلاء، وإن اشتهروا بالقسوة، إلاّ أنّهم في هذا الموقف أبدوا شهامة ونبلاً، إذ عملوا جهدهم لحماية هذا الرجل العظيم. ولكن ما حيلتهم أمام العثمانيين المتفوقين عليهم عددًا وعدّة، والمتفوقين أكثر في ببريتهم وهمجيتهم، إذ لم يتورعوا من قتل رجل من هذا الطراز الفريد. عزاؤنا أنّه نال إكليل الشهادة، ويتمتّع الآن بالسعادة الأبديّة في الأخدار السماويّة. 26
2- شهادة الخور أسقف فيليبس شوريز 27
لقد أُلقي القبض على سيادة المطران أدي شير أواخر شهر أيار سنة 1915، وبعد أن دفع فدية قدرها 500 ليرة عثمانية إلى المتصرّف، لم يودع السجن إنّما بقي تحت الإقامة الجبريّة في دار المطرانيّة، تحت رقابة صديق بدر الدين، مدير الشرطة. وفي إحدى الليالي، أرسل عثمان آغا رجاله إلى دار المطرانيّة، وأنقذوا المطران، بعد أن دلّوه من فوق سور البناية متنكرًا بزيّ كردي، وتوجهوا وإيّاه إلى منطقة البوتان، حيث التحق به وجهاء قرى صدخ وقطمس وحديد ومار كوريال، واحتموا بقرية طنزي اليزيدية، الواقعة إلى شمال بلق. إلاّ أنّ حكومة سْعرت سرعان ما عرفت بهرب المطران، فلاحقته واكتشفت موقع اختبائه، فأرسلت في أثره مفارز من الدرك، فحاصروا القرية وأحرقوها وقتلوا سكانها اليزيديين والمسيحيين على حدّ سواء. وغافلهم المطران، فهرب إلى الجبل، محتميًا بعثمان آغا، وتحيّن فرصة ليتسلل إلى طريق جبلي متعرّج، لعلّه يواصل سيره إلى الموصل، برفقة شلّة من رجال الآغا المسلحين. إلاّ أنّ الدرك هدّدوا الآغا بالقتل إن لم يدلّهم على الطريق الذي سلكها المطران الهارب، فدلّهم ولحق به الدرك المدججين بسلاحهم.
وعلى سفح الجبل، أدرك الحرس والمطران وفتحوا عليهم النار، وجرت مقابلة حامية الوطيس بين الطرفين. وعند نفاد ذخيرة حراس سيادته، ولّوا الأدبار، وتركوا المطران بيد الدرك الذين ألقوا القبض عليه، وقادوه إلى رئيسهم، الذي أمر برميه بالرصاص. فرجاهم المطران أن يمهلوه قليلاً ريثما يتهيأ للموت. عندئذ خلع لباسه الكردي، وارتدى ثوبه الأسقفي، ثمّ جثا على ركبتيه مصليًا. وبعد مضي عشر دقائق، هبّ واقفًا ليقول لأولئك الرجال المصوبين إليه بنادقهم: ها أنا ذا مستعدّ للموت. وللحال أُطلقت عليه خمس رصاصات اخترقت صدره، وهوى على أثرها صريعًا مضرجًا بدمائه الزكية، لتصعد روحه الطاهرة إلى باريها متوجة بإكليل الشهادة. وهذه الرواية قصّها أحد الرجال الخمسة الذين أطلقوا النار على المطران أدي شير، بينما كان في حراسة مدير بنك الحكومة العثمانية، وهو في طريقه إلى الموصل، ليلتحق هناك بمنصبه الجديد. وقد نقل عن المطران أدي شير قوله: «إنّ الإمبراطورية العثمانية لن يطول حكمها أكثر من خمس سنين»، ولعلّها نبؤة، وقد تحقّقت فعلاً. 28
3- شهادة السيّد عبدو بزر
في مطرانيّة حلب الكلدانيّة وثيقة بخطّ الأب (المطران) صموئيل شوريز 29 تحت عنوان «أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير» مؤرّخة في 23/ 3/ 1963 وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر، وهو من تولد ماردين سنة 1891، تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير، نقلاً عن عثمان آغا الطنزي. وأنا شخصيًّا أتذكر العمّ عبدو، وهو من طائفة الأرمن الكاثوليك، قصير القامة، يعتمر طربوش، وكان في مجالسه يتحدث دومًا عما شاهد أو سمع خلال المذابح، ولا أعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله. وقد وجدتُ من الضروري ذكر هذه الشهادة، كون العمّ عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا، صديق المطران أدي شير. وهذا نصّ الشهادة:
«في سنة 1916 ذهبتُ مع الجيش الألماني إلى قرية طنزي لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك. وهذه القرية تقع في جبال البوتان، بين مدينتي الجزيرة وسْعرت. وهناك التقيت عثمان آغا الذي قصّ عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً:
تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913 عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابيًّا، فذهبتُ إلى سْعرت، والتقيتُ المطران شارحًا له قضيتي. فاستقبلني أحسن استقبال، ومضى بي إلى دير البواتري «الآباء الدومينيكان» 30 وخبأني عندهم، وطلب منهم التوسّط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي. وبالفعل نلتُ العفو بجهودهم.
وفي سنة 1915 عندما بدأت المذابح بحقّ المسيحيين، علمتُ أنّ المطران يعاني الكثير من المضايقات، فذهبتُ ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سْعرت، وهرّبنا المطران، وجئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيرًا على الأقدام. ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية. فقلتُ له أنّهم بخير، وقد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير. فطلب مني أن أوصله عندهم، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت، لأنّ في منطقتي أعداء كثر لي، وأخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي. فرفض المطران عرضي قائلاً: طالما أنّ أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة، ومن المستحيل تركهم لأنجو بنفسي. وقد كرّرتُ عليه طلبي مرارًا، لكنّه رفضه رفضًا قاطعًا. وعليه أوصلته عند جماعته في الجبل.
وبعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي، لكنّني نكرتُ وجوده عندي، قائلاً إنّه هرب هو وجماعته، ولا أدري إلى أين اتجهوا. وقد نلتُ الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا، فهُدمت ممتلكاتي، وسُلبت أموالي. وفي هذه الأثناء، أرسل رسول محمد آغا، وهو من ألدّ أعدائي، رجاله إلى الجبل للتأكّد من مكان المطران وجماعته. وبعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود، فذهب إلى المكان المحدّد، وحاطه بالجنود ورجاله حتّى ألقوا القبض على المطران. فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي، وهناك سلّمه لضابط تركي. فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدّي صلاة قصيرة، فسمح له الضابط بذلك. وبعد أن انتهى من صلاته سلّمه الضابط لرسول آغا، وطلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب. فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية، وقتله هناك. ثمّ جاء رجال رسول واحرقوا جثة المطران شير. وأضاف عثمان آغا أنّ رسول آغا قتل كلّ كلدان قرية تل ميشار وعددهم 200 عائلة، واستولى على جميع ممتلكاتهم، كما قتل كلّ المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي.
هذا ما نقله العمّ عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي.
ويختم شهادته قائلاً: لقد استطعتُ الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا، وصعدتُ إلى مكان مقتل المطران شير، وشاهدتُ المغارة التي قُتل فيها، وهي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص. ولا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حيّ يرزق، وقد هجر إلى سوريا، وهو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلّة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي». 31
4- شهادة السيّد حنا جلو
المدعو حنا جلو ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين. نزح إلى سوريا وانضمّ إلى الجيش الفرنسي، وترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار، والواقعة في أقصى شمال شرق سوريا، على المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق عند نهر دجلة. وقد روى ما سمعه من الأخوين عكيد ورسول آغا وهذا نصّ الشهادة:
«وصل إلى عين ديوار أخوان كرديان هما: عكيد آغا ورسول آغا أبناء إسماعيل آغا أحد زعيمي بلدة طنزي الكائنة في جبال البوتان، جنوب شرقي تركيا، وذلك هربًا من سخط مصطفى كمال أتاتورك الذي أعدم المئات من زعماء الأكراد وآغاواتهم. وقد تعرّفتُ عليهم، ومع الأيّام توطدت العلاقة بيننا. فأخذ يرويان لي عن المجازر التي ارتكبوها بحقّ المسيحيين المسالمين في طنزي، وفي سياق الحديث ذكروا حادثة قتل المطران أدي شير، وكيف كانوا السبب المباشر في قتله. وقالا لي: يبدو أنّ الجريمة الفظيعة التي ارتكبناها بحقّ المسيحيين الأبرياء المسالمين، وخاصّة بحقّ المطران أدي شير، هي التي تلاحقنا الآن. ويبدو أنّ الله ينتقم منّا الآن جزاء ما اقترفناه بحقّ المسيحيين، فها أنّ ضميرنا يؤنّبنا ويعذّبنا ليل نهار. وأنّنا هاربون من ملاحقة مصطفى كمال، زعيم تركيا، فقد كنّا من زعماء الأكراد الأغنياء في منطقتنا، نملك الكثير، نأمر وننهي كما نشاء. أمّا اليوم، فنحن مهاجرون وهاربون من وجه العدالة، ومطاردون لا نملك شيئًا.
أمّا قصّة مقتل المطران أدي شير فقد جرت على الشكل التالي: لمّا بدأت المجازر بحقّ المسيحيين، وتمّ القضاء على معظمهم، فرّ المطران أدي شير من سْعرت، وتوجه إلى قرية طنزي لدى صديقه عثمان آغا، ولمّا حلّ المطران ضيفًا على عثمان آغا، أراد عثمان الرجل الشهم أن ينقذ المطران من المصير الأسود الذي حلّ بالمسيحيين. وقد دافع عنه وأنزله في داره، مزمعًا أن ينقله سرًّا إلى مدينة الموصل. علمًا أنّ تلك المنطقة كانت قد فرغت كليًّا من الوجود المسيحي، لأنّهم ذُبحوا جميعًا. وكانت العداوة شديدة بينه وبين إسماعيل آغا والد عكيد ورسول. وما أن علموا بوجود الضيف المسيحي لدى عدوهم عثمان آغا، في وقت كان يجب فيه أن يباد جميع المسيحيين، كما نصّت الأوامر السلطانية بذلك. ولمّا لم يكن بمقدور إسماعيل وولديه مجابهة عدوهم عثمان آغا، ويطلبوا منه أن يسلّمهم ضيفه المسيحي ليقتلوه. فقد أسرع عكيد آغا في التوجه إلى سْعرت، لإعلام السلطات هناك، طالبًا مساعدتهم. وقد استجابت السلطات له، وعاد ومعه مفرزة من الجيش النظامي بقيادة ضابط.
وبوصول الجيش إلى طنزي، توجهوا نحو بيت عثمان آغا، وأخذوا يضربون الرجال والنساء، يسألونهم عن مخبأ المطران، وكانت غرفة المطران في أعماق الدار. وما أن سمع المطران أصوات الجنود القادمين لقتله، وأصوات وصراخ الرجال والنساء من جراء الضرب والإهانات الموجه إليهم، حتّى قام لفوره، وخرج من غرفته، ووقف وجهًا لوجه أمام الجنود قائلاً: أنا هو من تبحثون عنه، فلا تضربوا هؤلاء الأبرياء. أنني حاضر أمامكم فتفضلوا وافعلوا بي ما يطيب لكم. فألقى الجنود القبض عليه حالاً، وساقوه إلى دار رسول وعكيد آغا، حيث كان الضابط قائد المفرزة في المضافة منتظرًا. وكان الضابط مثقفًا، وبعد محادثة قصيرة بالتركية أخذ يتحدثان بالفرنسية معًا.
فقال له الضابط: لدينا أمر صريح بقتلك. فردّ عليه المطران: أجل أني أعلم بذلك. فقال له الضابط: اعتنق الإسلام وستنجو، ولن يصيبك مكروه، بل لن يتجرأ أحد على مسك حينها. فردّ عليه المطران، وهو يضع يده على لحيته قائلاً: يا حضرة الضابط، لا يليق بي أبدًا أن أفعل ذلك، فإذا كان لديك أمر بقتلي فأنا حاضر للموت، ولا أستطيع أن أتخلّى عن ديني وأعتنق الإسلام، فأهين نفسي وأحتقر ديني، وأخون جماعتي التي ائتمنتني. فأنا مسؤول في طائفتي وديني، أرجو ألا تطلب هذا مني. فقال له الضابط: إذًا استعدّ للموت. فردّ عليه المطران: أنا حاضر يا حضرة الضابط.
ولمّا كان الضابط لطيفًا في كلامه مع المطران، فقد أراد أن يقدّم له هديّة تقديريّة، إذ كان يقتني في جيبه ساعة قيمة، فأخرجها وقدّمها للضابط طالبًا منه قبولها كهديّة. فأخذها الضابط شاكرًا. ثمّ قال له المطران: يا حضرة الضابط لديّ طلب، أريدُ أن تقتلوني رميًا بالرصاص، لا أن تعذبوني وتقتلوني بالسيف والخنجر. فردّ عليه الضابط بالإيجاب، واعدًا بتحقيق طلبه. إلاّ أنّ الضابط بادره بالكلام ثانية قائلاً: يا حضرة المطران، أنت رجل مسالم ومثقف، حرام قتلك. اسمع نصيحتي وأعلن إسلامك لتخلص. فأجابه المطران وقال: يا حضرة الضابط أنّي لا أستطيع أن أفعل ذلك أبدًا، أرجو أن تنفذوا أمركم بقتلي، ولا تحاولوا أن تطلبوا مني ترك ديني ودخول الإسلام. أنا رجل دين لا يمكن أن أفعل هذا أبدًا. فقال الضابط: إذًا لا يوجد حلّ آخر للموضوع.
عندها طلب المطران من الضابط أن يسمح له أن يصلّي صلاته الأخيرة، فأذن له بذلك. فأخرج المطران من جيبه كتيّبًا صغيرًا وأخذ يصلّي، وبعد أن انتهى، وضع كتيّب الصلاة تحت طرف البساط الذي كان جالسًا عليه، ثمّ قال للضابط: أنا جاهز تفضلوا. ولمّا لم تفلح محاولات الضابط في حمل المطران على التخلّي عن دينه المسيحي واعتناق الإسلام، أمر أحد جنوده وقال له: خذه بعيدًا إلى تلك الشجرة، وأعدمه هناك رميًا بالرصاص، دون أن تعذبه أبدًا، وإن عذبته فسوف يحلّ غضبي عليك وأعاقبك. فأخذه العسكري إلى تحت تلك الشجرة، وبدأ في ضربه وتعذيبه وطعنه بخنجره، مخالفًا بذلك أوامر قائده، ومن ثمّ أطلق عليه الرصاص أخيرًا فقتله.
لقد أقسم كلّ من عكيد آغا ورسول آغا بأنّهم شاهدوا بأم أعينهم مع سائر الآخرين، نورًا عجيبًا نازلاً من السماء وحالاً على جثة المطران، وقد أخذ الأكراد في قرية طنزي يردّدون بالقول: ذلك المسيحي الكافر قد نزلت عليه نار من السماء، وها هوذا يحترق في كفره. ويكمل عكيد ورسول بالقول: كأننا لم نصدق ما نرى ونشاهد، فانطلقنا بصحبة الضابط وتوجهنا حيث جثة المطران، ونحن ما زلنا نشاهد مبهورين ذاك النور الغريب نازلاً من السماء بشكل أشعاع متسربلاً جثته. وما أن بلغنا هناك حتى وجدنا أنّ النور قد اختفى، وليس هنالك أي أثر لنار أو حريق، كما أدعى الناس. ولمّا عاينا وضع الجثة وجدناها مطعونة بالخناجر، وآثار التعذيب والتنكيل بادية وواضحة عليها. فأدركنا بأنّ الجندي المكلّف بالمهمة قد عذبه كثيرًا قبل قتله.
فصاح الضابط بذلك الجندي حانقًا: ألم آمرك بقتله رميًا بالرصاص دون أن تعذبه، وأنت عصيت أوامري، لذا لن تمتطي صهوة حصانك في عودتنا إلى سْعرت، بل ستسير ماشيًا طول مسافة الطريق وراء جوادي عقوبة لك. ويختم عكيد ورسول آغا بالقول: إنّ الوقت الذي قُتل فيه المطران كان صيفًا، صادف فيه صوم المسيحيين. وكنّا قد علمنا بذلك من المسيحيين الموجودين في قريتنا، أثناء قضائنا عليهم». 32
ويختم صاحب الشهادة أنّ الصوم المذكور هو صوم الرسولين بطرس وبولس، والذي يبدأ في 26 حزيران ولمدّة ثلاثة أيّام قبل عيدهما الواقع في 29 حزيران، وعليه أنّه أستُشهد في 27 حزيران. مفندًا بذلك ما قاله العديد من المؤرخين أن المطران شير أستشهد في 17 حزيران.
وأنا شخصيًّا أعقب عليه بالقول بأنني أرجّح تاريخ 17 حزيران كما أكّده العديد من المؤرخين، علمًا أنّ الصوم المذكور كان خمسة عشر يومًا في تلك الفترة، حسب طقس كنيسة المشرق الكلدانيّة. وأضيف موضحًا أنّ عكيد آغا ورسول آغا المذكورين لم يسكنا في عين ديوار، بل مرّا فيها خلال هروبهم من تركيا، وسكنا أولاً في قرية تل خنزير. وبعد أن اختلفا مع نايف باشا آغا عشيرة الكوجر رحلا إلى قرية زغاة قرب ديريك «المالكية» واستقرّوا فيها، بعد أن اشتروا أرض زراعية فيها.
وبقي عكيد آغا وزوجته ابنة جميل جتو آغا منطقة غرزان، وأبنائه ميجر وكنعان وعكيد في زغاة حتى يومنا هذا. أمّا زوجته الأخرى وأبنائها فقد عادوا مع أخاه رسول إلى طنزي بعد فترة. وهذه المعلومات مؤكّدة لأنّني أعرف ميجر ابن عكيد آغا شخصيًّا، وهذه المعلومات حصلتُ عليها منه بطريقة غير مباشرة، عندما كنا نتبادل أطراف الحديث خلال لقاءات جمعتنا مع بعض الأصدقاء في عدّة مناسبات.
5- شهادة السيدة حلاته حنا
وهي سيّدة كلدانيّة من سْعرت، التقى بها الأب جوزيف نْعَيّم 33 في استنبول بعد المذابح، وقد حدثته عن مقتل المطران أدي شير والعديد من الكهنة:
«كنتُ بين نساء سْعرت اللواتي سقن إلى الذبح وعددهنّ حوالي الألف، وفي الطريق قُتل عدد كبير من النساء، وعند عبورنا نهر خازر رمت بعضهنّ أطفالهنّ في مياه النهر من جراء إرهاقهن الشديد، وما أن وصلنا إلى قرية بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك. وقد تمكنتُ من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردّد إلى بيتنا في سْعرت.
وبعد أن عدتُ إلى سْعرت عملتُ طباخة عند حاكم المدينة، بيرام فهمي بك. سمعتُ أنّ مسلمي المدينة قرّروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها، كان دار المطرانيّة في سْعرت، قبل مقتل المطران، قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هربًا من المذابح الجارية في قراهم، وممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج، كاهن قرية بركي، والأب حنا، كاهن قرية صداغ، والأبوين موسى ويوسف، كاهني قرية كيدوانس، والأب ميشال، كاهن دير مار يعقوب، والأب يوسف، كاهن قرية بيكند، والأبوين جرجس وعازار، كاهني قرية قوطميس، والأبوين عازر وهرمز، كاهني سْعرت، وسكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو. جميعهم قُتلوا بوحشية.
كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبريّة في دار المطرانيّة، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي، بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة. وقد أرسل عثمان آغا الطنزي الرجل الشهم، وهو صديق مقرّب من المطران، خمسة عشر من رجاله الأشداء، وحضروا إلى دار المطرانية ليلاً، وأخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي، وساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيرًا على الأقدام، وهناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم.
وفي الصباح، وما أن علمت السلطة بالأمر، حتّى سيرت كتيبة من الجيش. وقبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران وإلاّ قُتل مع جميع أهل بيته ورجاله، لكنّه رفض طلبهم قطعيًّا، وأخذ عائلته، وهرب تاركًا رجاله يحرسون المطران المخابئ في «ديري بسان»، قرب قرية دير شو. وبعد قتال مرير كشفوا المخبأ وألقوا القبض على المطران، فعرضوا عليه الإسلام لقاء بقائه حيًّا، لكنّه رفض طالبًا منهم بضعة دقائق ليصلّي، فسُمح له بذلك، وبعد أن انتهى من الصلاة أطلقوا النار عليه فاردوه قتيلاً، وقد رأيتُ بعيني خاتم المطران في إصبع أحد الضباط خلال تجواله في سْعرت.
كنتُ في بعض الأحيان أمرّ أمام كنيستنا الكبيرة التي حولت إلى إسطبل للحيوانات، أشعر بحزن كبير وأجهش بالبكاء، وقد دنسوا مقبرتنا الكلدانيّة، وقلعوا أحجار القبور، وعبثوا بجثث الموتى. أينما أدرتُ وجهي رأيتُ مشاهد حيّة لقسوة المتزمتين، وكأنّ الجحيم فتحت أبوابها على أحيائنا الكلدانيّة. لقد رأيتُ بعيني كيف جمعوا الأطفال بين سنّ السادسة والخامسة عشر، وأخذوهم إلى قمّة الجبل المعروف رأس الحجر، وهناك قطعوا رقابهم الواحد تلو الآخر، ورموا جثثهم في الوديان.» 34
6- شهادة السيد بطرس حنا
كلداني من مدينة سْعرت، بعد أن هرب إلى ماردين تحدث للمطران إسرائيل أودو 35 عمّا شاهده وسمعه بالقول:
«في 13 حزيران 1915 هجم المجرمين على كلدان قرية مار يعقوب الحبيس، ومن المعلوم أنّ القرية كانت تضم ديرًا شهيرًا فيه مكتبة منظمة. فأُلقي القبض على الرجال، وبعد أن تحملوا عذابات متنوعة في السجن، أخرجوهم وقتلوهم جميعًا، إلاّ القليل منهم وجدوا طريقة للهرب ونجوا. وأُلقي القبض أيضًا على المطران أدي شير، لكنّهم أفرجوا عنه مؤقتًا على أمل أن يسلمهم ما كان يملكه من أموال، ومن ثمّ يلقوا القبض عليه من جديد ليُساق إلى الموت. وقد علم المطران بما يضمرون له من شرّ. ففي تلك الليلة التي أُطلق فيها سراحه، وجد وسيلة للخروج من سْعرت بمساعدة بعض المحبين، وقد رافقه القسّ يوسف، كاهن قرية بيكند وشماسه.
وفي الصباح علم متصرّف سْعرت بخبر هروبه، فأرسل للحال جنودًا ليتعقبوه ويلقوا القبض عليه، وأبرق لحراس الطرق والحدود للعمل على القبض عليه قبل أن يعبر حدود إقليم سْعرت. وبالفعل أُلقي القبض عليه مع رفيقيه، أمّا محبيه الذين ساعدوه على الخروج من سْعرت فقد تركوه وهربوا، إذ لم يستطيعوا إنقاذه. وقد تُلي عليه حكم الموت الصادر بحقّه، لكنّ المطران سمع الحكم برباطة جأش ولم يخف أو يقلق، بل طلب من الجنود فرصة ليصلّي استعدادًا للموت. فلبس حالاً حلّته الأسقفيّة التي كانت معه، ثمّ سجد وصلّى، وبعد أن انتهى من صلاته ألتفت نحو الجنود وقال لهم بشجاعة: تعالوا وأكملوا وظيفتكم. فحالاً صوبوا بنادقهم نحوه وأطلقوا عليه النار، فسقط على الأرض صريعًا ودمه ينزف كالنبع.
فأقترب أحد الجنود وقطع رأسه وجاء به إلى سعرت، وقدّمه للمتصرّف ليتأكّد من قتله. ثمّ أرسل المتصرّف رأس المطران شير ليُرمى في باحة كنيسة الكلدان حتّى يشاهده النساء والأولاد المسيحيين، علّه بهذا يخيف الكلدان المتبقيين وهم يشاهدوا ما حلّ بمطرانهم. هذه الحادثة حدثني إياها شاب كلداني من سْعرت اسمه بطرس حنا، وهو شاهد على ما جرى، لأنّ بيته كان مقابل باب الكنيسة الجديدة للكلدان «كاتدرائية العائلة المقدسة» في حيّ عين صليب. فكان يرى ويسمع ما كان يجري مع أخيه جرجس وأمّهم سيدة.» 36
7- ما قاله الأب ياسنت سيمون الدومينيكي
«من مواليد شقلاوة التابعة لأبرشية كركوك الكلدانية، في الثالث من آذار 1867. إلتحق بالإكليريكيّة الكلدانيّة السريانيّة للآباء الدومينيكيين بالموصل عام 1879، وسيم كاهنًا في الخامس عشر من آب 1889. يُعتبر من أوّل الآباء، وأوّل أسقف أنشأته تلك الإكليريكيّة. رُسم مطرانًا في الثلاثين من تشرين الثاني 1902، وانتقل إلى سْعرت، أبرشيته الجديدة، تسبقه إليها شهرته كرسول وعالم.
وقد ساعد علم رئيس الأساقفة في الشؤون الشرقيّة، وتأثيره الشخصي، وحظوته لدى السلطات، في وضعه في المرتبة الأولى. هذا بالإضافة إلى أنّ ما أُشيع عن ثروته الهائلة، جعله في الصفّ الأوّل بين الضحايا التي اختارها الموظف التركي. فاستُدعي ظهر السادس من حزيران 1915 إلى قسم الشرطة، وحُكي هناك بأمور غامضة، لكنّه تمكّن من ترك سْعرت في الليلة نفسها، متخفيًا بزيّ كردي، يرافقه صديقه عثمان آغا. لم يبعد كثيرًا، إذ وُضع سعرٌ لرأسه، وكانت جميع معابر الجبل تحت الحراسة العسكريّة. امتطى جواده طيلة الليل، وما إن بزغ الفجر حتّى بقيت أمامه ثماني ساعات لاجتياز حدود أبرشيته، والاحتماء في ولاية الموصل. لكنّه، عندما وصل محلّة دير شو التابعة لقائمقامية شرنخ 37 صادفته فرقة من العسكر التركي.
فخاطبه الضابط قائلاً: مهلاً أيّها الكردي. وبعد أن كشف هوية الهارب النبيل قال: أأنت رئيس أساقفة سْعرت؟
فأجابه المطران قائلاً: أنا هو.
الضابط: أوقفك هنا باسم الحكومة.
المطران: حسنًا سأتوقّف هنا.
الضابط: ستموت هنا باسم الحكومة.
المطران: حسنًا سأموت هنا.
ثمّ نزل من على صهوة جواده، وقال للضابط: أُترك لي فقط خمس عشرة دقيقة من الحريّة.
تصوّروا ما كانت عليه تلك الدقائق من الحوار السامي بين روحٍ وباريها في حضور الجلادين والأبديّة. لقد مرّت في سرعة، وفي اللحظة الأخيرة أراد المطران أدي أن يموت كأسقف. فخلع عنه الثياب الزائفة، ووضع على جسده جبته الحمراء، وفي إصبعه خاتمه الأسقفي، ثم أمسك الصليب بيده، وانتصب في فخر قائلاً إلى الجنود: أنا جاهز أستطيع أن أموت.
وصرعت رصاصات ثلاث الأسقف الشاب الجليل.
وقد اعترف الجلاّدون بأنّهم ما رأوا أبدًا رجلاً يموت بهذا النبل. وشهادة على إعجابهم، قاموا بحفر ضريح، وضعوا فيه جثة ضحيتهم.
الشرف للمطران أدي، فقد أكمل سلسلة الأساقفة الكاثوليك الثابتين في إيمانهم حتّى الموت.» 38
8- ما قاله الأب أسحق أرملة 39
«أمّا السيّد أدي شير النبيل، فأشار عليه عثمان آغا الدير شوي أنْ يرحل عن سْعرت إلى دير شو. وما مرّ عليه أسبوع حتّى شعر به علي، نقيب الأشراف، والقاضي، فجرّدا إليه العسكر. ولمّا أبصروه، وثبوا عليه، وأرادوه على الإسلام فأبى. فصوبوا نحوه البنادق ليقتلوه، فقال لهم: سألتكم بالله أن تمهلوني هنيهة. فجثا وصلّى، ثمّ لبس ثوبه، وتقلّد صليبه، وركع وقال: لكم الحريّة أن تفعلوا ما يعجبكم. فأوغلوا في تعذيبه، وفتكوا به.
وعادوا بأمتعته إلى سْعرت، وسلّموها للقاضي، وعلي نقيب الأشراف. غير أنّ الله جلّت أحكامه انتقم للحال من علي المزبور، ومن ابنه أيضًا، فقُتلا كلاهما شرّ قتلة. وبعد مقتل المطران تشاغل الأعداء بتوزيع أموال المسيحيين، واستحلال أرزاقهم ومساكنهم، فجعلوا كنيسة الكلدان الكبرى 40 جامعًا سمّوه الجامع الخليلي، تيمنًا بخليل باشا، رأس النحوس عندهم.» 41
الخاتمة
بعد أن استعرضنا عدّة شهادات حول مقتل الحبر الجليل مار أدي شير، وهو في ريعان الشباب، إذ لم يبلغ من العمر سوى 48 ربيعًا، أغنى فيها كنيسة المشرق بكمّ هائل من مؤلفاته الثمينة، وأعماله الباهرة، ومن خلال ما شيّد من كنائس ومدارس في أبرشيته العريقة والمترامية الأطراف. ولولا رحيله المبكر لأتحفنا بوضع عشرات التصانيف الأخرى. إذ أنّ اللغات العديدة التي كان يجيدها، كانت وسيلة طيّعة في اتصاله بالثقافات العالميّة. وهمّته القعساء كانت ستؤول إلى بنيان صروح شامخة في أبرشيته العريقة لما فيه خير النفوس، وهذا واضح من رسائله المخطوطة التي كان يرسلها لذويه. ففي رسالة كتبها لأخيه القسّ بطرس شير 42 مؤرّخة في أيلول 1910 يقول فيها:
«أخي العزيز القسّ بطرس شير المحترم. السلام بالربّ مع القبلة الأخويّة. منذ مدّة لم أكتب لك، وسبب ذلك هو أنني لم أكن في سْعرت. بل كنتُ أتفقد الأبرشيّة التي فيها ثلاثة وثلاثون قرية. منها بعيدة المسافة، من يوم واحد إلى أربعة أيّام سيرًا على الأقدام، ومنها أقرب. تسلّقتُ الجبال العالية، وكان فرح أهل القرى عظيمًا، لأنّهم كانوا لأوّل مرّة يشاهدون أسقفًا يزورهم. قرى طيبة ولكن شقلاوة أطيب منها. قضيتُ ثمان وثلاثين يومًا في جولتي هذه.»
وفي رسالة ثانية مؤرّخة في تموز 1911 يقول فيها:
«إلى عزيز نفسي القسّ بطرس حنا شير المحترم مع القبلة الأخويّة. من زمن لم أكتب لك لأني مشغول جدًّا. أنا مضطرّ أن أذهب يوميًّا للحضور في المجالس الحكومية بسبب قضاء أشغال أبناء الأبرشية الكلدانية. وإضافة إلى ذلك، متابعة احتياجات المهاجرين الأرمن واليعاقبة.»
أمام مضمون هاتين الرسالتين نقف بإجلال وإكبار أمام حيوية ونشاط هذا الحبر النبيل، من خلال ما كان يبذله من جهود مضنية، لتفقد أحوال أبناء الأبرشيّة في القرى القابعة في الجبال العالية والبعيدة، في زمنٍ كان يفتقد إلى وسائل النقل المتوفرة اليوم. فكلّ الزيارات كانت تتمّ على ظهر الخيل إذا كان الطريق سهلاً، أو سيرًا على الأقدام إذا كان الطريق وعرًا. ناهيك عن المراجعات اليومية لدوائر الدولة لمساعدة أبناء الأبرشيّة في سلطنة تفتقر إلى القانون، وشعبٍ يعبث بحقوق المسيحيين المسالمين. ولم تتوقف جهوده عند مساعدة أبناء أبرشيته فقط، بل شملت المسيحيين المظلومين والمعذبين من جميع الطوائف.
وأمام قصة استشهاده، أذكر صوت الربّ الصارخ من السماء، وهو ينادي قايين بعد أن قتل أخيه هابيل: «ماذا صنعت، إنّ صوت دماء أخيك صارخ إليَّ من الأرض». 43
فصوت دماء هذا الحبر النبيل من السماء تنادي كنيسته الكلدانيّة، منذ أكثر من تسعين سنة، وتدعوا أحبارها الأجلاء بالقول: «ألا أستحقّ أن أكون مكرّمًا على مذابح الكنيسة، أنا الذي بذلتُ دمي في سبيل إيماني بالمسيح. أليست هذه التضحية مفخرة لكنيستي الكلدانيّة، فلماذا تغضّون الطرف عن شهادتي». فهل تجد هذه الصرخة آذانًا صاغية؟
1 شقلاوة: وتُعرف في المصادر الكلدانيّة باسم شقلاباذ، ويُرجّح أنّها تعني «العامرة بالمياه والأشجار». مصيف شهير في شمال العراق، ومركز قضاء تابع لمحافظة أربيل، يبعد عنه مسافة 50 كم. تقع شقلاوة على سفح جبل سفين الذي يحدّها من ناحية الغرب والجنوب، والشهير بالغابات الكثيفة الواسعة. ويحدّها من الشرق والشمال جبل سورك. تشتهر شقلاوة بعيون المياه والبساتين الشهيرة بجميع أنواع الفاكهة.
2 القسّ يعقوب شير: وُلد في شقلاوة حوالي سنة 1840. تعلّم القراءة عند والده القسّ حنّا. بعد وفاة والده أرسله مار يوحنا تمرز، مطران كركوك، إلى دير الربان هرمزد ليتعلّم الواجبات الكهنوتيّة. رُسم كاهنًا لخدمة النفوس في شقلاوة. عُرف بعطفه الشديد على المحتاجين واليتامى والأرامل. وبسبب تواضعه، رفض عرض مطران الأبرشيّة لترقيته لمنصب رئيس كهنة الأبرشيّة. توفّي سنة 1903.
3 الأب جاك ريتوريه الدومينيكي: وُلد في فرنسا سنة 1841. دخل الرهبنة الدومينيكية. جاء إلى الموصل سنة 1874 وهناك تعلّم العربيّة والكلدانيّة وألّف العديد من التراتيل بلهجة السورث أشهرها “بشما دبابا وبرونا”. سنة 1881 زار جبال البوتان وسْعرت حتّى استقرّ في وان، وفتح فيها رسالة للآباء الدومينيكان، وكان سكان القرى يدعونه «ياقو نوخريطا» أي يعقوب الغريب. سنة 1914 أُبعد إلى ماردين التي وصلها في 29 كانون الأوّل على أن يكمل السير إلى ديار بكر، حسب أوامر السلطات العثمانيّة، وبسبب شيخوخته وصعوبة التنقل لقسوة الشتاء أراد أن يرتاح في ماردين، ومن ثمّ يكمل طريقه في الربيع، وهذا يتطلب موافقة السلطات. فكتب المطران تبوني، مطران السريان الكاثوليك في ماردين، إلى بطريرك الكلدان، مار عمانوئيل توما، يحثّه على استحصال الموافقة. واستطاع البطريرك أن يحصل عليها، لما كان له من قدر واحترام، وما له من كلمة نافذة لدى السلطات، وعليه بقي في ماردين. [راجع مذكرات الأب جاك ريتوريه، المسيحيون بين أنياب الوحوش، ص. ٣٠٤-٣٠٥] وخلال وجوده فيها عاش هول المذابح الرهيبة التي جرت بحقّ المسيحيين، وهناك سطر مجريات ما شاهد وسمع، ووضعها في كتاب عنوانه «المسيحيون بين أنياب الوحوش». سنة 1916 سافر إلى قونية ومنها إلى اسطنبول ومن ثمّ إلى باريس . عاد مجدّدًا إلى الموصل، وخدم فيها حتّى توفي هناك سنة 1921، ودُفن في كنيسة الآباء الدومينيكان.
4 معهد مار يوحنا الحبيب: افتتحه الآباء الدومينيكان في الموصل سنة 1878 بجهود القاصد الرسولي المطران لويس ليون، ورئيس رسالة الدومينيكان في العراق الأب بطرس دوفال. والمعهد هو شبه دير يعيش فيه التلاميذ المختارين لسلك الكهنوت حياة داخليّة نظاميّة، فهناك أوقات منظمة للصلاة والتأمّل والإرشاد والدرس. أُغلق قسم الكبار الذي كان يُدرّس فيه الفلسفة واللاهوت سنة 1973. كذلك أُغلق القسم التحضيري الابتدائي سنة 1985. تخرّج من هذا المعهد الكثير من الشخصيّات الكنسيّة في طائفتي الكلدان والسريان الكاثوليك، منهم بطاركة وأساقفة وكهنة.
5 البطريرك إيليا عبو اليونان: وُلد في الموصل سنة 1840. سنة 1855 أُرسل إلى روما للدراسة في مجمع انتشار الإيمان. وعلى أثر مرض ألمّ به عاد إلى الموصل وفيها أنهى دروسه. رُسم كاهنًا سنة 1865، ومطرانًا على الجزيرة العمرية سنة 1874. انتُخب بطريركًا سنة 1878. توفّي في الموصل سنة 1894.
6 المطران جبرائيل آدمو: وُلد في سْعرت سنة 1851. درس في روما ورُسم كاهنًا هناك سنة 1878. عاد إلى الموصل فعهد إليه إدارة المعهد الكهنوتي. انتُخب مطرانًا لأبرشيّة كركوك سنة 1883، ثمّ بطريركًا خلفًا للبطريرك إيليا عبو اليونان، سنة 1894، لكنّه رفض هذا المنصب بإصرار. توفّي في كركوك سنة 1899.
7 البطريرك عبد يشوع خياط: وُلد في الموصل سنة 1828. درس في روما حيث رُسم كاهنًا، ثمّ عاد إلى مسقط رأسه وخدم هناك. رُسم أسقفًا على أبرشيّة العمادية سنة 1860، لكنّه قدّم استقالته قبل أن يستلم مركزه، فأتخذه البطريرك يوسف أودو معاونًا له. عُيّن مدبرًا لأبرشيّة آمد (ديار بكر) ثمّ مطرانًا أصيلاً عليها. انتُخب بطريركًا سنة 1894. توفّي في بغداد سنة 1899.
8 المطران يوسف خياط: وُلد في بغداد سنة 1856. درس في المعهد الكهنوتي البطريركي بالموصل. رُسم كاهنًا سنة 1882 وخدم في بغداد. سنة 1885 عُيّن وكيلاً بطريركيًّا في مصر. وفي سنة 1886 عُيّن وكيلاً بطريركيًّا في استنبول، وقضى فيها 8 سنوات. سنة 1894 انتُخب أسقفًا لأبرشيّة العمادية، وقبل أن يذهب إلى أبرشيته اتخذه البطريرك عبد يشوع خياط معاونًا له باتفاق آباء السينودس، واتخذ لقب رئيس أساقفة نصيبين. سنة 1899 عُيّن نائبًا رسوليًّا على الكنيسة الكلدانيّة بعد وفاة البطريرك عبد يشوع خياط. سنة 1900 نُقل لرئاسة أبرشيّة كركوك. توفّي في كركوك سنة 1903.
9 البطريرك عمانوئيل توما: وُلد في ألقوش سنة 1852. ادخله البطريرك يوسف أودو عند الآباء اليسوعيين في غزير لبنان للدراسة وذلك سنة 1869. رُسم كاهنًا سنة 1879. أدار المعهد الكهنوتي بالموصل من سنة 1882 وحتّى سنة 1890. انتُخب مطرانًا لأبرشيّة سْعرت سنة 1892. انتُخب بطريركًا سنة 1900. توفّي في الموصل سنة 1947.
10 سْعرت أو سْعرد: بلدة من ديار ربيعة، تقع في سهل فسيح غزير العيون كثير الخصب، ينساب في جنوبه نهر دجلة، ويروي قسمه الغربي نهر البوتان، وترتفع في شماله جبال بتليس العالية. تبدو سْعرت للعيان كجنّة غنّاء يسيح بها الكثير من أشجار التين والرمان والبندق والبطم والكروم. جاء في المنجد في الأعلام: «سعرت أو سعرد بلدة على حدود أرمينيا وكردستان. اشتهرت سابقًا بصناعة الأسلحة والأقمشة، كانت كرسيًّا أسقفيًّا للكلدان».
11 جبال البوتان، وتُعرف بالبوهتان: هي سلسلة الجبال التي تمتدّ من شمال شرق الجزيرة العمريّة وحتّى جنوب شرق سعرت، وتُعتبر هذه السلسلة الجبليّة معقلاً تاريخيًّا لكنيسة المشرق، حيث كانت تضم العشرات من القرى يسكنها أبناء هذه الكنيسة حتى بداية القرن العشرين.
12 قضاء غرزان، ويُعرف في تاريخ كنيسة المشرق أرزون أو أرزن: يقع غرب سْعرت مسافة 15 كم، ويُطلق عليه الأكراد اسم غرزان. واليوم أُطلق عليه بالتركيّة اسم كورتلان. وكانت المنطقة تضمّ العديد من القرى الكلدانيّة، ودير شهير على اسم مار يوحنا نحلايا يقع قرب قرية بيكند.
13 السلطان عبد الحميد: وُلد سنة 1842. نُصّب سلطانًا سنة 1876. عُرف باستبداده في مقاومة الدستور. لُقّب بـ “السلطان الأحمر” لكثرة ما سفكه من الدماء. خُلع عن العرش سنة 1909. توفّي سنة 1918.
14 البابا بيوس العاشر: هو جيوزبي سرتو، وُلد سنة 1835 في إقليم تريفيز بإيطاليا. عُيّن أسقفًا على مانتوا سنة 1884. انتُخب بابا سنة 1903 واتخذ اسم بيوس العاشر، وكان شعاره “تجديد كلّ شيء بالمسيح”. توفّي سنة 1914. أعلنه قديسًا البابا بيوس الثاني عشر وذلك سنة 1954. لُقّب بـ «ابن ساعي البريد»، لأنّ والده كان ساعي بريد، وقيل عنه إنّه “رسول الأزمنة الحديثة المتواضع والعبقري”.
15 بدرخان: هو سليل عائلة عزيزان، وتُعرف أيضًا بالعزيزية، نسبة إلى عبد العزيز بن سلمان بن خالد الوليد الصحابي الشهير. أسّس بدرخان إمارة بوتان سنة 1812، واستطاع استقطاب أمراء العشائر الكرديّة في بلاد وان وهكاري وخيزان وموش. أنشأ معملاً للذخيرة والبنادق في مدينة الجزيرة العمريّة. سنة 1842 صكّ النقود باسمه، ووسّع دائرة حكمه إلى مناطق وان وسايلاخ وروانذوز والموصل، واستولى على ويران شهر وسْعرت وسنجار وسيورك وأشنه وأورمية، ووصل سلطانه إلى قلعة ديار بكر. سنة 1848 حشدت الحكومة العثمانيّة قوّة عسكريّة كبيرة لكسر شوكة بدرخان، وبعد معركة حامية اضطرّ بدرخان ورجاله إلى إخلاء مدينة الجزيرة، وألتجأ مع رجاله إلى قلعة أروخ. وبعد أن حوصر هناك ثمانية أشهر نفذت خلالها المؤن والذخيرة، انكسر جيشه، وقُبض عليه وعلى أثنين من أولاده، وسيقوا إلى استنبول. سنة 1879 هرب نجليه عثمان وحسين كنعان من استنبول إلى الجزيرة العمريّة، وهناك أعلنا استقلال إمارة بوتان، وتُوّج عثمان أميرًا عليها. سنة 1889 تمّ القضاء على حركة بدرخان بشكل نهائي. وبعد فشل حركة بدرخان بقي لرجالها المكانة المرموقة والكلمة المسموعة بين العشائر الكرديّة في منطقة البوتان.
16 دير شوا، دصوا ىبًقا «ديرا شوعا» جملة بالكلدانيّة تعني «دير السبعة»: قرية في جبال البوتان، جنوب شرق سْعرت، على مسافة يومين سيرًا على الأقدام، كانت من القرى الكلدانيّة التابعة لأبرشيّة سْعرت، لكنّها فرغت منهم قبل المذابح لمعاناتهم المستمرّة من الأكراد.
17 عيني، قصغْا «عينا» كلمة كلدانيّة تعني مناظر أو عيون.
18 المطران أدي شير: مقال للأب فرنسيس شير، مجلّة بين النهرين، العدد 5، سنة 1974، ص. 5559.
19 دير مار يعقوب الحبيس: يقع على قمّة جبل يطلّ على نهر البوهتان جنوب سْعرت 8 كم. وتدلّ أطلاله على أنّه كان في غابر الزمان أوسع بنيانًا وأعظم شأنًا. وقد قال عنه ياقوت الحموي: «دير احويشا دير عظيم فيه أربعمائة راهب يسكنون في قلالي، وحوله بساتين وجنائن، عامر بالأبنية الجميلة وكثرة الفواكه والخمور، ويحمل من الخمر الكثير إلى المدن المذكورة، وبقربه عين عظيمة تدير ثلاث أرحاء، وهذا العمر مقصود من كل موضع للتنزه فيه».
20 الأب لويس شيخو: هو رزق الله بن يوسف شيخو، والدته أليصابات دنبو، أخت الأنبا جبرائيل دنبو، مجدّد الحياة الرهبانيّة في كنيسة المشرق الكلدانيّة، ومؤسّس الرهبانية الهرمزدية الأنطونية. هاجرت عائلته من ألقوش إلى ماردين قبل مائتي سنة. وُلد في ماردين سنة 1859. انتسب إلى الرهبنة اليسوعيّة سنة 1874. تلقّى علومه في غزير لبنان، وأكمل تحصيله العالي في فرنسا. كان يُتقن اللغات الكلدانيّة والعربيّة والفرنسيّة واليونانيّة واللاتينيّة والألمانيّة والإيطاليّة والعبرانيّة. علّم اللغة العربيّة في الجامعة اليسوعيّة في بيروت. أسّس مجلّة المشرق، وأصدرها لمدّة 27 سنة، وله فيها أكثر من ألف مقال. وقد جاوزت مؤلفاته الخمسين من دينيّة لاهوتيّة وجدليّة فلسفيّة وتاريخيّة وأدبيات شعريّة ونثريّة. توفّي في بيروت سنة 1927.
21 الأب جان فييه: وُلد في فرنسا سنة 1914. وبعد دراسة عالية انتمى للرهبنة الدومينيكيّة. أُرسل إلى الموصل سنة 1939 فدرس في معهد مار يوحنا الحبيب ومعهد شمعون الصفا البطريركي. افتتح وأدار كلية الموصل من سنة 1944 وحتى سنة 1959. توفّي في بيروت سنة 1995. له العديد من المؤلفات نذكر منها: الموصل المسيحيّة، أشور المسيحيّة (3 أجزاء)، المسيحيون السريان في عهد المغول، مصادر كنيسة المشرق قبل الإسلام، نصيبين أبرشيّة مشرقيّة وتوابعها، أحوال النصارى في خلافة بني العباس، الشرق المسيحي الجديد. بالإضافة إلى العديد من المقالات المهمّة في جغرافية الأبرشيّات التابعة لكنيسة المشرق.
22 الأب بطرس نصري: وُلد في الموصل سنة 1861. درس على يد العلاّمة المطران إقليمس داود زبوني. أُرسل إلى روما للدراسة في الكلية الأوربانية سنة 1878. حاز على شهادة الملفنة في الفلسفة واللاهوت. رُسم كاهنًا في روما سنة 1887 ثمّ عاد إلى الموصل ليخدم النفوس في كاتدرائية مسكنتا. علّم اللاهوت النظري في معهد شمعون الصفا الكهنوتي، واستمرّ في التدريس حتّى سنة 1913. ألمّ به المرض سنة 1917 فاعتنى به الأب يوسف كوكي السعرتي، مطران البصرة فيما بعد، حتّى توفّي في نفس السنة. وعربونًا لموقفه، وهبه مكتبته الشخصيّة التي ضمّت 347 كتابًا بالعربيّة والكلدانيّة و 234 كتابًا باللغات الأجنبيّة، وعشرين مخطوطة خطّها بيده. وضع خلال حياته 19 مؤلفًا لم يُطبع منها سوى كتاب “ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان” وقد طبع في مطبعة الآباء الدومينيكان بالموصل بجزأين، وبقي الجزء الثاني ناقصًا إذ لم يكمل بسبب الحرب الكونيّة الأولى.
23 الأب بولس بيرو: كلداني من أبرشيّة سْعرت. درس في معهد سان لويس للآباء الكبوشيين في اسطنبول. [للكبّوشيين إكليريكيّة صغرى باسم سان ستيفانو تقع في خليج سان ستيفانو بجوار اسطنبول] رُسم كاهنًا سنة 1912. عُيّن معلمًا في المعهد الكهنوتي البطريركي بالموصل، ثمّ نائبًا بطريركيًّا للكلدان في القاهرة، ثمّ في الإسكندرية التي توفّي فيها سنة 1951.
24 طنزي: أعتقد أنّها تنحدر من الكلمة الكلدانية شغصزا «طنيزا» وتعني مشدود أو مربوط.
25 ديري بسان: أعتقد أنّها تنحدر من الجملة الكلدانيّة دصوا بفصا «دير بسيا» دير النبذ. [مَن يسكن الدير ينبذ ملذّات الحياة]
26 المسيحيّون بين أنياب الوحوش، مذكرات الأب جاك ريتوريه الدومينيكي، ترجمة الأب عمانوئيل الريّس، ص 367370.
27 الخور أسقف فليبس شوريز: كلداني من سْعرت، وُلد فيها سنة 1982. دخل المعهد الكهنوتي البطريركي بالموصل سنة 1898. رُسم كاهنًا سنة 1907. علّم في مدرسة دير مار يعقوب للآباء الدومينيكان، ثمّ عُيّن في بغداد وكيلاً بطريركيًّا، بعدها خدم في البصرة، ومنها انتدب سكرتيرًا للقصادة الرسولية لبلاد ما بين النهرين بالموصل، وإلى جانب هذه المهمّة علّم في معهد مار يوحنا الحبيب بالموصل. سنة 1937 أقامه الكرسي الرسولي مدبرًا رسوليًّا على الجزيرة العليا الكلدانية، التي توافد إليها الناجون من مذابح السفر برلك. توفّي في بيروت سنة 1938.
28 المسيحيّون بين أنياب الوحوش، مذكرات الأب جاك ريتوريه الدومينيكي، ترجمة الأب عمانوئيل الريّس، ص. 400401.
29 الأب (المطران) صموئيل شوريز: وُلد في قرية تللسقف سنة 1917 من عائلة شوريز السعرتية العريقة. دخل الرهبنة الأنطونية الهرمزدية سنة 1931. لبس الإسكيم الرهباني باسم إيشوعياب، ونذر النذور المؤبدة سنة 1936. نال علومه الدينيّة في معهد الآباء الدومينيكان بالموصل. رُسم كاهنًا سنة 1951. انتُخب رئيسًا للمبتدئين في رهبانيته لمدّة 4 سنوات، ثمّ معاونًا للرئيس العام للرهبانية. عُيّن وكيلاً عامًّا على الرهبنة الهرمزدية سنة 1958. عُيّن لخدمة رعيّة القامشلي سنة 1960 فخدمها مدّة 12 سنة حتّى انتُخب مطرانًا لأبرشيّة الأهواز سنة 1972 ونال السيامة بوضع يد البطريرك بولس شيخو، وتمّت السيامة في كاتدرائيّة أمّ الأحزان في بغداد. نُقل لرئاسة أبرشية أورمية سنة 1974، فخدم أبرشيته حتّى وافته المنية في روما سنة 1981. نُقل جثمانه إلى دير السيّدة قرب ألقوش، ودُفن هناك.
30 الرهبنة الدومينيكية: أسّسها القدّيس عبد الأحد «دومينيك» في بداية القرن الثالث عشر. أراد مؤسّسها أن تكون أداة رسوليّة لإعلان الإنجيل في العالم كلّه. سنة 1217 أصدر البابا براءة رسوليّة تعترف بتسميتها وقوانينها.
31 اثوْي دعوص ىعراصظ ىروصًز: أكرثا دمار شموئيل شوريز “رسائل مار صموئيل شوريز” مصنّف يضمّ رسائل موجهة من المطران شوريز إلى المطران اسطيفان بلو. محفوظ في أرشيف مطرانيّة حلب الكلدانيّة.
32 مجلة آرام: مقال لأسعد صوما، العدد ن6 سنة 1936، ص 4850.
33 الأب جوزيف نعيّم: كلداني من مدينة الرّها (أورفا) وُلد فيها سنة 1888. درس في معهد شمعون الصفا الكهنوتي البطريركي بالموصل. رُسم كاهنًا سنة 1910. خدم النفوس في الرّها. هرب مع أمه وأخوته إلى حلب بعد استشهاد والده خلال المذابح سنة 1915. كلّفه البطريرك يوسف عمانوئيل خدمة نفوس أسرى الحلفاء في معسكر أفيون بتركيا. وخلال خدمته أُلقي القبض عليه، وسجن مدّة 130 يومًا ذاق خلالها أقسى أنواع العذابات.
34 هل ستُفنى هذه الأمة: تأليف الأب جوزيف نعيّم، ترجمه عن الإنكليزيّة نافع توسا، منشورات مكتبة الناصرة، بغداد، العراق، ص 95102.
35 المطران إسرائيل أودو: وُلد في ألقوش سنة 1859. والده القسّ هرمز أخ البطريرك يوسف أودو، وأخوه الشهيد مار توما أودو مطران أورمية. دخل المعهد الكهنوتي بالموصل سنة 1882. رُسم كاهنًا سنة 1886. خدم في بغداد من سنة 1888 حتى سنة 1891 حيث نُقل للخدمة في البصرة. سنة 1898 سافر إلى الهند وزار بلاد الملبار، وخلال خدمته في البصرة شيّد كنيسة مار توما الرسول ودار للكاهن ومدرسة، وشيّد في مدينة العشار كنيسة على اسم السيدة العذراء، واشترى بيت قريب حوّله إلى مدرسة، واستمرّ في خدمته هناك حتى انتُخب مطرانًا على ماردين سنة 1909. توفّي سنة 1941 بعد أن خدم أبرشيته 31 سنة في ظروف صعبة وقاسية.
36 عضيبغريا: «مكتبنوثا» وتعني «تأريخ» عن المذابح التي جرت بحقّ مسيحيي ماردين وآمد وسْعرت والجزيرة ونصيبين خلال المذابح سنة 1915، وهو مخطوط بالكلدانيّة لمار إسرائيل أودو، مطران الكلدان في ماردين، وقد طُبع بالسريانيّة الغربيّة في مطبعة أشور بانيبال بالسويد سنة 2004 بمناسبة مرور 90 سنة على المذابح، ص 98101.
37 شرنخ: من الكلمة الكلدانيّة ىوغن «شرنق» وتعني شرنقة «شرنقة دودة القز»، والتي يبدو من خلال تسميتها أنّها كانت غنيّة بتربية دودة القز. موقعها في جبل بوتان، على بعد 40 كم إلى الشمال الشرقي من الجزيرة العمريّة. وهي اليوم مركز ولاية.
38 ماردين المدينة البطلة، الأب ياسنت سيمون، دار نعمان للثقافة، جونيه، لبنان، ص. 131133.
39 الأب أسحق أرملة: وُلد في ماردين سنة 1879. دخل دير الشرفة لبنان سنة 1895. رُسم كاهنًا سنة 1903. عاد إلى ماردين سنة 1912 حيث تولّى تعليم الرهبان الأفراميين. سيق إلى السجن خلال مذابح السفر برلك، وأُطلق سراحه بعد ثلاثة أيام. عاد إلى الشرفة حيث اتخذه البطريرك جبرائيل تبوني كاتبًا لأسراره، ومكث في خدمته 3 سنوات. رُسم خور أسقفًا سنة 1930. توفّي في بيروت سنة 1954 ودُفن فيها. ألّف خمسين كتابًا، طُبع منها أربعين، والعشرة الباقية لم يتيسّر له طبعها. له العديد من المقالات. وقد خطّ بيده 35 كتابًا.
40 كنيسة الكلدان الكبرى: هي كاتدرائيّة العائلة المقدّسة، تقع في الحيّ الكلداني في سْعرت، والمعروف بحيّ عين صليب. شيّدها البطريرك عمانوئيل توما سنة 1895 عندما كان مطرانًا لأبرشيّة سْعرت. بعد المذابح حُوّلت إلى جامع أُطلق عليه الجامع الخليلي. ويبدو أنّ البناء قد هدم، وحُوّلت أرضه إلى مقبرة، تُدعى إلى يومنا هذا بمقبرة الخليلي. وقد زرتُ موقع الكاتدرائيّة في منتصف حزيران سنة 2006 برفقة المطران أنطوان أودو وكهنة الأبرشيّة.
41 القُصارى في نكبات النصارى، القسّ أسحق أرملة، ص. 389.
42 القسّ بطرس شير: هو حنّا، الابن البكر للقسّ يعقوب، وأخ المطران أدي. ولد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في شقلاوة. منذ صغره درس عند والده وتعلّم اللغة الكلدانيّة. وبعد وفاة والده انتُخب من جماعة شقلاوة ليكون كاهنًا لهم، فكتبوا إلى مطران الأبرشية ثيئودور مسيح، فلبّى طلبهم وأرسله إلى الموصل لتعلّم الواجبات الكهنوتية. ورُسم هناك سنة 1906 ودُعي اسمه بطرس.
43 سفر التكوين: 4 /10.