المئوية
  |  
الكنيسة الكلدانيّة
Cross

بولس فرج رحو، مطران الموصل الشهيد

 

المطران الشهيد مار بولس فرج رحو ( الموصل، 20/1/1942 – الموصل، 12/3/2008)
الشماس: نوري إيشوع مندو

من خلال متابعة الأحداث على أرض العراق منذ الغزو الأمريكي سنة 2003 يبدو أنّ هناك حملة مبرمجة ضدّ الحضور المسيحي في بلاد ما بين النهرين. وقد تجلّت هذه الحملة الشرسة التي يقودها زمر الجهل والغباوة من خلال تفجير الكنائس والأديار، وإكراه الناس على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو ترك البيوت والمحلات بما تحتويه قسرًا، ومغادرة البلاد إلى مصير مجهول. ناهيك عن خطف الأطفال والشبان والشيوخ، والطلب من ذويهم دفع فدية باهظة مقابل إطلاق سراحهم، وإلاّ وجدوا جثثهم مرمية على قارعة الطريق وآثار العذاب ظاهرة عليها.


من خلال متابعة الأحداث على أرض العراق منذ الغزو الأمريكي سنة 2003 يبدو أنّ هناك حملة مبرمجة ضدّ الحضور المسيحي في بلاد ما بين النهرين. وقد تجلّت هذه الحملة الشرسة التي يقودها زمر الجهل والغباوة من خلال تفجير الكنائس والأديار، وإكراه الناس على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو ترك البيوت والمحلات بما تحتويه قسرًا، ومغادرة البلاد إلى مصير مجهول. ناهيك عن خطف الأطفال والشبان والشيوخ، والطلب من ذويهم دفع فدية باهظة مقابل إطلاق سراحهم، وإلاّ وجدوا جثثهم مرمية على قارعة الطريق وآثار العذاب ظاهرة عليها.

كلّ هذا يجري بحق ّمسيحيي العراق والعالم يقف متفرّجًا على هذا المشهد الذي يندى له الجبين، وكأنّ من يُقتل في فلسطين دمه أثمن من دم مسيحيي العراق المسالمين. فمع كلّ خبر عن مقتل فلسطيني نسمع أصوات العرب والمسلمين تعلو من هنا وهناك تستنكر وتدعو للثأر. لكنّنا، للأسف، لا نسمع صوتهم عندما تشنّ حملة إبادة ضدّ مسيحيي العراق، حتّى من الدول الغربيّة التي يُتهم بسببهم مسيحيّو الشرق بأنّهم صليبيون. وهذا يعني أنّهم محسوبون عليهم لمجرّد أنّهم مسيحيون. علمًا أنّ هذا التصوّر لا وجود له في قاموس الدول الغربية. والدليل على ذلك ما نراه من قرارات قبول اللاجئين في الدول الغربيّة حيث يقبل طالب الإقامة المسلم ويرفض طلب المسيحي. وعليه اكتظت دول الغرب بالجاليات الإسلامية، وأضحوا مواطنين يملكون كلّ الحقوق. بينما مسيحيو بلاد ما بين النهرين، سكانها الحقيقيون وبناة حضارتها منذ البدايات وحتّى اليوم، لا يملكون حقّ العيش الكريم على أرض آبائهم وأجدادهم وأصبحوا غرباء عنها، وأضحوا علّة على دعاة الدولة الإسلامية في العراق، ووجب تصفيتهم لتبقى أرض الإسلام طاهرة نقية خالية من الأدناس.

لقد حوّل هؤلاء الأشرار أرض العراق الطاهرة، مهد الحضارات، إلى غابة مملوءة بالوحوش المفترسة، وأضحوا بجدارة، بديلاً لتلك الوحوش الحيوانية، وفاقوهم وحشيةً من خلال ما ارتكبوه من جرائم شنيعة ضدّ الأبرياء والعزل، مستعملين أبشع الأساليب في التعذيب والقتل.

وتعود بنا الذاكرة إلى بدايات القرن الماضي حيث أبادت السلطنة العثمانية وأعوانها أغلب سكانها المسيحيين، وأجبر المفلتون من سيف الظلم والجور إلى ترك كلّ ما يملكون، ومغادرة البلاد إلى حيث لا يدرون. كلّ هذا جرى أمام دول الغرب الذين لم يحرّكوا ساكنًا، بل وقفوا متفرّجين مستمتعين بهذا المشهد المشين.

واليوم، ينضمّ إلى موكب الشهداء الحبر النبيل مار بولس فرج رحو، رئيس أساقفة الموصل على الكلدان، بعد أن ذاق مرارة الأسر والعذاب فترة أسبوعين على أيدي طغمة الحقد الأعمى. نعم قاسى أشدّ المرارة، وقاوم بعنفوان وبطولة دعوة القتلى لاعتناق الإسلام حفاظًا على حياته. لكنه خيّب آمالهم وصمد ببطولة وشجاعة، وحمل الصليب على منكبية مقتديًا بمعلمه يسوع الذي خلّص العالم بصليبه المقدس. كيف لا وقد خُطف بعد خروجه من الكنيسة مؤديًا رتبة درب الصليب مع أبنائه المعذبين، وهو يتأمّل بآلام معلمه، ومتمعنًا بما قاساه من عذابات وإهانات مشينة من قبل عديمي الإيمان والضمير.

وُلد المطران رحو في الموصل، في 20/1/1942، وتلقّى علومه الابتدائية في مدرسة شمعون الصفا (بابل الحالية). في العام 1954، دخل معهد الصفا الكهنوتي في الموصل، ثمّ انتقل الى بغداد العام 1960 حيث رُسم كاهنا في 10/1/1965، في كنيسة مار يوسف (خربندة). عمل بضعة أشهر في كاتدرائية أمّ الاحزان في بغداد، ثمّ انتقل إلى مسقط رأسه في الموصل حيث عُيّن راعيًا لكنيسة مار أشعيا. عمل مرشدًا للأخويّات، وأسّس ندوه للعمال باسم مار يوسف العامل، واهتمّ بالشبيبة.
في العام 1974، سافر الى روما، ودرس في كلّيّة مار توما الأكويني (الأنجيليكوم) وحاز على شهادة الليسانس في اللاهوت، وأراد متابعة الدراسة لنيل شهادة الدكتورا، لكنّ حاجات الأبرشيّة الملحّة، وطلب راعي الأبرشيّة، أملت عليه التوقّف عن الدراسة في روما والعودة إلى العراق حيث عُيّن على منطقة المجموعة الثقافيّة في الموصل.
وفي العام 1978، سعى إلى شراء قطعة أرض، والمباشرة ببناء كنيسة مار بولس. خدم خورنة أم المعونه 1979-1983، وشجّع الشاب عماد حسيب على تأسيس جماعة المحبّة والفرح التي تهتمّ بالإخوة المعاقين تحت شعار: لقائي مع الأخ المعاق هو لقائي مع الربّ، ولهذه الجماعة فروع عديدة في محافظة نينوى وبغداد ودهوك، وهو مرشدها العامّ، كما ومنح دارًا للمعاقين باسم واحة المحبّة والفرح، في حيّ العربي بالموصل.
هو أحد أعضاء كهنة يسوع الملك، وعضو في لجنة الكتاب المقدّس العراقيّة سابقًا، وكان يحضر مؤتمراتها الدوريّة.
أسّس مع إخوتة الكهنة الدورة اللاهوتيّة، وعمل على تنظيمها في سنيها الأولى، ويحاضر فيها.
انتخبه المجمع البطريركي المنعقد في بغداد في 13/1/2001 مطرانًا على أبرشيّة الموصل.
اقتبل الدرجة الاسقفيّة بوضع يد البطريرك مار روفائيل الأوّل بيداويد، يوم 16/2/2001 في بغداد.
أكمل بناء كنيسة الروح القدس التي تمّ تكريسها في عيد العنصرة، سنة 2006.
نال إكليل الشهادة يوم الأربعاء 12/3/2008.

أجل، لقد اقتدى حبرنا الشهيد بمعلّمه السماويّ، وانضمّ إلى قوافل شهداء كنيسة المشرق، التي استحقّت أن تُدعى بكلّ فخر كنيسة الشهداء. ولا بدّ أنّه، في فترة أسره، تذكّر أنّه ينتمي إلى هذه الكنيسة، وأنّه مستعدًا ليلحق بقافلة الشهداء، بدءًا بالجاثليق شمعون برصباعي، والشهيدة مسكنتا، والشهيدة فبرونيا النصيبينية، ومار قرداغ، ومار بثيون، والأنبا جبرائيل دنبو، والمطران أدي شير، والمطران يعقوب أوراهام، ومار توما أودو، وغيرهم كثيرين، وأخيرًا ابنه الروحي الأب الشهيد رغيد كني.

وسوف تبقى صدى كلماته حيّة في قلوبنا ونفوسنا، في يوم افتتاح كنيسة مار بولس بمدينة الموصل، قبل عدّة أسابيع، بعد أن رُمّمت إثر تعرّضها لانفجار غاشم من قبل الإرهابيين التكفيريين، حين شدّد على تعاليم المخلّص، داعيًا للسلام والمصالحة، نابذًا القتل والانتقام، طالبًا من أبنائه الصفح عن المسيئين اقتداءً بمن غفر للذين صلبوه، والصلاة من أجل الذين يضطهدونهم، مشددًا على العيش في أرض الآباء والأجداد رغم كلّ الصعوبات، ليكونوا نورًا في ظلمة هذه المحنة العاتية، مؤكدًا على نداء يسوع لتلاميذه: «وتكونون لي شهودًا»(أعمال الرسل 1 : 8)، مذكرًا أنّ لا خوف من الذين يقتلون الجسد، ولا يستطيعون أن يقتلوا الروح: «تأتي ساعة يظنّ فيها كلُّ مَن يقتلكم أنّه يؤدّي لله عبادة… تعانون الشدّة في العالم، ولكن ثقوا، إنّي قد غلبتُ العالم» (يوحنا 16 : 2 . 33).

 لقد خاب ظنّ المجرمين عبر العصور، لأنّهم فكّروا بأنّ قتلهم لهؤلاء الأبرياء سوف يقتلع مسيحيي المشرق من جذورهم، متناسين أنّ دماء الشهداء هي بذور صالحة لثبات إيماننا بمن خَلَّصنا بدمه الثمين. وأنّ هذه البذور سوف تنبت لنا ثمارًا يانعة مملوءة بالإيمان والرجاء والمحبّة. وأنّ دماء الشهداء سوف تزيدنا إصرارًا على البقاء في هذه الأرض التي ارتوت بدماء شهدائنا الثمين. ولنا الثقة بأنّنا سوف نغلب الشرّ بالخير، كما غلب معلمنا يسوع العالم بصليبه المقدّس.

اليوم تفرح السماء وتتهلّل باستقبال هذا الحبر الجليل، الذي أرهق دمه جزاء إيمانه بيسوع المخلص. تفتخر كنيسته الكلدانية المقدّسة بأنّها ما زالت كنيسة الشهداء، وستبقى كذلك إلى منتهى الدهر.

تحيّة إجلال وإكبار إلى روح مطراننا الشهيد مار بولس فرج رحو الذي حمل صليبه بثقة وثبات، وكنيسته تستعدّ للاحتفال بأسبوع آلام فادينا ومخلّصنا يسوع، طالبين من روحه الطاهرة التي تتنعم بالمجد السماوي أن تتشفع لنا عند القائم من بين الأموات، لتقوم هذه الكنيسة الشهيدة والمتألمة والمعذبة معه في يوم قيامته المجيدة، وتبقى شاهدة للمسيح أمين. المسيح قام، حقًّا قام، هللويا.

شارك:
Facebook
تويتر
إطبع
Go To Top
انتقل إلى أعلى الصفحة
الفصل السابق

بطرس عزيز، أسقف سلامس...

بطرس عزيز، أسقف سلامس المعترف

Previous Chapter
الفصل التالي

الأب رغيد كني والشمامسة...

الأب رغيد كني والشمامسة الثلاثة، شهداء الموصل

Next Chapter
Go To Top
متابعة القراءة
...ومرّة أخرى، يـَـتـلـطَّـخ الثوب الفرنسيسي بدم الشهداء...
LeonardMelki
© فارس ملكي 2013