أصحاب الغبطة والسيادة
أحييكم تحيّة أخويّة، وأشكركم على هذا اللقاء الذي يأتي في إطار احتفال يوم الأحد المقبل في البازيليك الفاتيكان ية حيث سنرفع الصلاة من أجل راحة نفس أبناء وبنات شعبكم الحبيب الذين قُتلوا منذ مائة سنة. سنستدعي الرحمة الإلهيّة لكي تساعدنا جميعًا، في المحبّة للحقيقة والعدالة، على شفاء كلّ جرح، وتسريع أفعال مصالحة وسلام ملموسة بين الأمم التي لا تزال غير قادرة على الوصول إلى إجماع مقبول حول قراءة هذه الأحداث التعيسة.
فيكم ومن خلالكم أحيي الكهنة والرهبان والراهبات والاكليريكيين ومؤمني الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية: أعرف أنّ العديد منهم قد رافقوكم إلى روما خلال هذه الأيام، وأنّ العديد منهم أيضًا سيتّحدون معنا بشكل روحيّ من بلدان الانتشار كالولايات المتحدة الأميركيّة، وأميركا اللاتينية، وأوروبا وروسيا وأوكرانيا وصولاً إلى بلدكم الأم. تذهب أفكاري الحزينة، بشكل خاصّ، إلى تلك المناطق، كمنطقة حلب، «المدينة الشهيدة» كما قال لي الأسقف، التي لمائة سنة خلت شكّلت ملاذًا أمينًا لعدد قليل من الناجين. هذه المناطق التي واجهت خطر استمرار وجود المسيحيين، لا الأرمن وحسب، في هذه الآونة الأخيرة.
لقد كان شعبكم أوّل شعب اعتنق الديانة المسيحيّة، العام 301، كما يقرّ به التقليد، وله تاريخ عمره ألفا سنة، ويستودع تراث روحي وثقافي رائع، مُقترن بقدرة على النهوض مجدّدًا بعد العديد من الاضطهادات والصعوبات التي تعرّض لها.
أدعوكم لتنمّوا فيكم على الدوام شعور امتنان للربّ على قدرتكم في المحافظة على الأمانة له خلال المراحل الأكثر صعوبة. وبالتالي من الأهميّة بمكان أن تطلبوا من الله عطيّة حكمة القلب: إذ إنّ إحياء ذكرى ضحايا مائة سنة خلت تضعنا في الواقع أمام ظلمات «سرّ الشرّ والظلم.»
وكما يقول لنا الإنجيل، فمن عمق قلب الإنسان تخرج القوى الأشد ظلامًا القادرة على وضع برنامج منهجي لإلغاء الأخ، واعتباره عدوًّا وغريمًا، لا بل فردًا محرومًا من الكرامة البشريّة نفسها. لكن، بالنسبة للمؤمنين، إنّ مسألة الشرّ الذي يقوم به الإنسان تدخلنا أيضًا في سرّ المشاركة بالآلام الخلاصيّة: كثيرون هم أبناء وبنات الأُمَّة الأرمنيّة الذين استطاعوا إعلان اسم المسيح حتّى سفك الدم أو الموت بسبب الجوع على طريق النزوح المتواصل الذين أُجبروا عليه.
إنّ صفحات تاريخ شعبكم الأليمة تُكمّل، بمعنى ما، آلام يسوع، لكن وفي كلّ صفحة منها وُضعت براعم القيامة. لا ينقصنَّ أبدًا بينكم، أنتم الرعاة، الالتزام بتربية المؤمنين العلمانيين على معرفة قراءة الواقع بأعينٍ جديدة، ليتوصلوا إلى القول يوميًّا: شعبي ليس فقط شعب المتألمين من أجل المسيح، لا بل هو، بشكل خاصّ، شعب القائمين من الموت به. لذلك، من الأهميّة بمكان إحياء ذكرى الماضي لنستقي منه حيويّة جديدة تهدف إلى تغذية الحاضر، من إعلان فرح للإنجيل، وشهادة المحبّة.
أُشجّعكم على دعم مسيرة تنشئة مستدامة للكهنة والأشخاص المكرّسين، فهم أقرب المعاونين لكم: على الشراكة فيما بينكم أن تتقوى بفضل الأخوّة المثالية التي يمكنهم أن يستشفوها داخل السينودس، ومع البطريرك.
يتوجّه فكرنا الآن بامتنان إلى الذين اجتهدوا من أجل التخفيف من مأساة أجدادكم. أفكر بشكل خاصّ بالبابا بنديكتُس الخامس عشر الذي تدخل لدى السلطان محمّد الخامس لوقف مجازر الأرمن. لقد كان هذا الحبر الأعظم صديقًا كبيرًا للشرق المسيحي: فقد أسّس مجمع الكنائس الشرقيّة، والمعهد الشرقي الحبري، وفي العام 1920 أدرج القديس أفرام السرياني بين ملافنة الكنيسة الجامعة. أنا سعيد بأنّ يكون لقاءنا اليوم قد تمّ قُبيل الفعل المُشابه الذي سأقوم به بكلّ سرور، يوم الأحد المقبل، مع القدّيس العظيم غريغوريوس الناريكي.
إلى شفاعته، أكل بشكل خاصّ الحوار المسكوني بين الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكية والكنيسة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة، متذكّرين بأنّ ما حصل منذ مائة سنة خلت، وما يحصل اليوم، من استشهاد واضطهاد، قد حقّقا «مسكونيّة الدم».
وإذ استدعي عليكم وعلى مؤمنيكم بركة الربّ، أسألكم ألا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.