كلمة أمين عامّ حزب ال طاشناق ، النائب أكوب بقرادونيان في الذكرى المئويّة الأولى لإبادة المسيحيين
فندق لو رويال (ضبية-لبنان)، 6 أيار
بعد أيّام قليلة من 24 نيسان نجتمع لنتذكّر ونكرّر مفرداتًا تعوّدنا عليها في مواقفنا وتصاريحنا وخطاباتنا: مجازر، مذابح، مشانق، مجاعة، إفناء، قتل تهجير وتشريد، إبادة. كلمات وتسميات مختلفة تدخل في صميم اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها الصادرة عام 1948.
نجتمع لنتذكّر ونحن جميعًا أصحاب المصير الواحد: تسميات السوقيات والسفربرلك والسيفو والإبادة وهي في الأساس الأوجه المختلفة لجرائم ضدّ الانسانيّة.
نجتمع لنتذكّر ونحن اصحاب الحقّ، وطالبي العدالة، بأنّ مَن وقف وراء هذه الجرائم، خطّطها ونفّذها، هي الدولة العثمانية وتركيا الاتحاد والترقي، ومصطفى كمال أتاتورك، وأنّ جمهورية تركيا الحديثة لا تزال تتنكر بأنّ أسلافها ارتكبوا هذه الجرائم ضدّ الانسانيّة.
نجتمع لنتذكّر ونذكّر العالم بأنّ المجرم لا يزال دون عقاب، يفتح شهيّة الآخرين لارتكاب جرائم اخرى.
نجتمع لنتذكّر ونذكّر بأنّ الذي يقف مكتوف الأيدي صامتًا أمام هذه الجرائم هو شريك في الجريمة ويشجّع على ارتكاب جرائم أخرى.
نحن أحفاد شهداء الإبادة،
أحفاد شهداء السيفو،
أحفاد شهداء المجاعة،
نحن أبناء هذا الوطن حصل على حقّ البقاء والازدهار بتضحيات شهدائه الأبرار، نجتمع لنسأل عن الذاكرة الجماعيّة، ولِمَ النسيان، ولِمَ الخجل، ولِمَ الإنكار، ولِمَ الاختباء وراء كلمات منمقة تافهة تنتهي مفعولها فور صدورها.
نعم نجتمع لنسأل لماذا الدولة لم تتجرّأ إعلان 24 نيسان ذكرى مليون ونصف مليون شهيد أرمني، أجدادنا نحن المواطنين اللبنانيين، يومًا للتضامن، ويوم عطلة رسميّة.
أمن العجب أن نسأل لماذا تحوّل عيد الشهداء، عيد 6 أيار، إلى ذكرى شهداء الصحافة؟ ولماذا تتنكر الدولة إحياء العيد بمعانيه السامية والحقيقيّة والتاريخيّة؟
أليس لنا الحقّ أن نفكّر بأنّ الشهداء أصبحوا سلعة في الأسواق السياسيّة، والمسايرات المكشوفة، والتسويات الملغومة، ومصالح اقتصاديّة وماليّة؟
أليس لنا الحقّ أن نفكّر أن حتّى في الشهادة هناك تفرقة وتمييز مذهبي، طائفي، سياسي.
أهكذا نكافئ شهدائنا الأبطال، من 24 نيسان إلى 6 أيار، إلى شهداء الاستقلال، شهداء القوى المسلّحة، وكلّ من سقط شهيدًا للدفاع عن أرض الوطن واستقلاله وسيادته.
ماذا لنا أن نقول لعائلات الشهداء الذين سقطوا لأجل لبنان، من رؤساء للجمهوريّة، ورؤساء الحكومة، ووزراء ونواب وضباط وعناصر وشباب؟ هل سنقول لهم سيأتي الوقت، وستأتي ظروف سياسيّة نحوّلهم من شهيد إلى لوحة تذكاريّة على المدافن.
إنّ نسيان الشهداء الأوائل لا يضمن احترام الشهداء الأواخر.
إنّنا نفتخر بلبنان كبلد التعايش والعيش الواحد.
التعايش الحقيقي يبدأ باحترام الآخر، وخاصّة احترام الشهيد. التعايش الحقيقي هو احترام الجميع لشهداء الجميع.
الشهيد شهيد، ولا تميز بين شهيد وشهيد. قيمة الشهادة في فكرها وفعلها ورؤيتها وليس في دين الشهيد أو حزبه أو وضعه المادي ومركزه الاجتماعي.
أمام الشهيد تسقط كلّ المصالح، وكلّ التسويات والاعتبارات السياسيّة والمنافع المادّية، فالاستشهاد لأجل الوطن والحريّة والاستقلال والسيادة والحفاظ على كرامة الانسان المواطن أسمى قيمة إنسانيّة ومعنويّة، وأساس بناء الأوطان، وديمومة الشعوب.
قال الشهيد عبد الكريم الخليل وهو يودّع أبناء الوطن، وأمام مشانق جمال السفّاح: «احزنوا على أنفسكم، وابكوا ما سيصيبكم في المستقبل من ظلم الأتراك، عشنا لأجل الاستقلال، ونموت في سبيله».
أمّا الشهيد عمر حمد قال: «أموت غير خائف ولا وجل، فداء الأمّة العربيّة، فليسقط الأتراك الخونة، وليحيا العرب».
وبدوره يقول الشهيد عبد الغني العريسي: «بلّغوا جمال أنّ الملتقى قريب، وأنّ أبناء الرجال الذين يُقتلون اليوم سيقطعون بسيوفهم في المستقبل أعناق الأتراك، جماجمنا أساس لاستقلال بلادنا».
والشهيد بترو باولي قال: «عجّلوا وخلّصونا من وجوهكم اللعينة».
في هذه اللحظات، ونحن نتذكّر أقوال الشهداء، نسأل ماذا اصابنا؟ النسيان، فقدان الذاكرة، خسارة الضمير، بيع النفس؟ والعثمانيون الأتراك على أبوابنا؟
التاريخ يعيد نفسه.
وتجربة الشعوب تعيد ايضًا نفسها.
فالإبادة مستمّرة، والمجرم لا يزال يعيش في النكران، لا بل يستمرّ في إجرامه اليومي ضدّ الجوار العربي، بتصميم مسبق، بقتل وتهجير ما تبقى من قوى مناضلة ومطالبة بحقوقها في سوريا والعراق، لتصل إلى مصر وتونس وليبيا واليمن.
إنّ الفكر البانطوراني لا يزال في أساس السياسة التركيّة، وتتريك الشعوب في تركيا وجوارها هو الحلم العثماني التركي المتجدد.
الصمت إزاء هذه الجرائم جريمة موصوفة بحدّ ذاتها، ولن نرضخ.
من واجبنا أن نقاوم. هذا ما يطلب منّا الشهداء، ومن واجبنا سويًّا أن نرفع الصوت ونطالب الدولة: لا نأي بالنفس بموضوع الشهداء، نحن لا نخجل بشهدائنا.
إنّهم أبطال قاوموا الاحتلال، قاوموا الاستعمار.
إنّهم عرب وأرمن وسريان وكلدان وأشوريون وأقباط،
مسلمون ومسيحيون،
إنّهم شهداء الأمس، وشهداء اليوم في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا ومصر،
إنّهم شهداء يسقطون كلّ يوم رفضًا للقهر والظلم والاستبداد والتكفير،
إنّهم أجدادنا وأولادنا،
نفتخر بهم، ونخجل من أنفسنا.
إرفعوا أيديكم عن الشهداء، هم الأولون،
ولولاهم لما كان لبنان الاستقلال.