كلمة صاحب هذا الموقع بمناسبة انتقال الأب سليم رزق الله الكبّوشي إلى الحياة الأبديّة، في ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٠، عن عمر 95 سنة.
عاش الأب سليم فترة طويلة في دير بعبدات، وهو معروف جدًّا من البعبداتيين.
تميّز بسرعة البديهة، وبروح الفكاهة، وبالنشاط الدائم.
مقاربته تكون من دون تكليف، والتحدّث إليه يتمّ ببساطة، إذ كان يحبّ التحدث إلى الناس، بعفوية وصراحة، يرفّه عنهم ببعض نكاته، أو يساعدهم في تحقيق طلباتهم من المسؤولين.
عظاته دائمًا مفيدة ومنوّرة لثقافتنا المسيحيّة، بخاصّة عندما يتكلّم بالتاريخ، تاريخ الكنيسة والقدّيسين.
كان قريبًا من العمّال الأجانب، بخاصّة السرلنكيات والحبشيات، وجاهد لتعلّم لغتهم، والاهتمام بأمورهم، ومساعدتهم على حلّ مشاكلهم اليوميّة، أكان في مكان عملهم في المنازل أو لدى السلطات الرسميّة اللبنانيّة. ومن أجل ذلك، سافر إلى سريلنكا وإثيوبيا عدّة مرّات، حيث قام بالاتصال بالمسؤولين المحليين، والتنسيق معهم لجعل إقامة رعاياهم في لبنان مريحة ومطمئنة.
عمل كثيرًا على دعوى تطويب أبونا يعقوب الكبّوشي، ونجح في مسعاه، بعد سنوات عديدة من البحث عن الشهود، والتنقيب في الوثائق، فجرى احتفال التطويب في بيروت، في 22 حزيران 2008.
ثمّ عُيّن طالب دعوى المطران اغناطيوس مالويان الأرمني، الذي استُشهد في ماردين في 11 حزيران 1915، وأوصل الدعوى إلى خواتيمها مع إعلان البابا يوحنا بولس الثاني ، المطران مالويان، طوباويًّا، في ٧ تشرين الأوّل ٢٠٠١.
إستكمل مسعاه في دعوى تطويب المطران فلابيانس ميخائيل ملكي السرياني الذي استُشهد في جزيرة ابن عمر في 29 آب 1915، وأعلنه البابا فرنسيس طوباويًّا في 8 آب 2015.
له الفضل الأوّل في المباشرة بدراسة دعوى تطويب الأبوين ليونار ملكي وتوما صالح، مستفيدًا من عمله حافظًا لأرشيف الرهبنة الكبّوشيّة، إذ عمل على تجميع المعلومات الأوليّة والوثائق الرسميّة المطلوبة لتقديم الدعوى إلى مجمع دعاوى القدّيسين في روما.
في سنواته الأخيرة، شحّ نظره كثيرًا، وصار عاجزًا عن القراءة والكتابة. تواضع وتقبّل وضعه، من دون أي إحباط في شخصيّته الفذّة.
قمتُ بزيارته منذ بضعة أشهر في مكان إقامته عند راهبات الصليب في برمانا. كنتُ مرتبكًا إذ لم أكن أعرف وضعه الحقيقي، وكنتُ أتساءل إذا ما ستكون الزيارة مريحة له ومفيدة، أو هل أنّ وجودي سيجعله يشعر بإعاقته؟
لَمّا دخلتُ الغرفة، وجدته في السرير، ينظر إلى العلى. قلتُ له: مرحبا أبونا سليم. إنتفض بسرعة وقال: مين؟ قلتُ له: أنتَ تعرفني. أجاب: تكلّم أكثر... وما أن لفظتُ بضع كلمات حتّى قال: أنتَ فارس.
تكلّمنا بكلّ ما خطر على بالنا، وكان هو يكرّر على مسامعي كلّ التفاصيل العائدة لدعوى ليونار وتوما، بالأرقام والتواريخ. فرحتُ لحالته لأنّه ما زال واعيًا متيقظًا.
والآن، ها هو يرقد إلى جانب القدّيسين الذين أمضى كلّ حياته معهم ومن أجلهم. ولا شكّ بأنّ وجوده معهم سيساعد كثيرًا في تقدّم دعوى تطويب الأبوين ليونار وتوما.
أبونا سليم، صلاتنا معك، وصلاتك معنا.