مسيرة التطويب
  |  
الإعداد المباشر للتطويب
Cross

محاضرة في بلديّة بعبدات

للمساهمة في التحضيرات الجارية لتطويب الأبوين ليونار عويس ملكي وتوما صالح البعبداتيين الكبّوشيين، قامت بلديّة بعبدات بالدعوة إلى محاضرة بعنوان « رسالة الكبوشيين في لبنان والمشرق من القرن السابع عشر إلى الطوباويين ليونار عويس ملكي وتوما صالح» ، تكلّم فيها الدكتور ميشال غانم، والمهندس فارس ملكي، وأدارها البروفسور جورج لبكي، وذلك يوم السبت الواقع فيه ٢١ أيار، الساعة السابعة مساءً، في دار البلديّة.
حضر اللقاء حوالي الخمسون شخصًا، تقدّمهم الأب بطرس عازار الأنطوني، الأمين السابق للمدارس الكاثوليكية، والأب الياس شختورة الأنطوني، رئيس دير قرنايل ومحاضر في الجامعة الأنطونية، والخوري جان موسى، كاهن رعيّة بعبدات السابق، والأب الياس سعود الكبّوشي، وتغيّب الخوري طانيوس خليل، كاهن رعيّة بعبدات الحالي، بداعي السفر.

كما حضر اللقاء وفد من راهبات المحبّة - بزنسون، وراهبات القلبين الأقدسين، وأعضاء المجلس البلدي، والسيّدة كارن عبد النور، من جريدة نداء الوطن.

بعد إلقاء الكلمات جرى حوار مع الحضور، واختُتمت المحاضرة بصلاة للأب الياس سعود، ثمّ دُعي الحاضرون إلى كوكتيل قدّمته البلديّة. وفيما يلي الكلمات التي أُلقيت:

كلمة رئيس بلديّة بعبدات، الدكتور هشام لبكي
بهالإيام الصعبة عم بتعيش بعبدات فرح العطاء. بعبدات، هالضيعة الرابضة بوسط المتن، واللي عطيت ما لم تعطي ضيعة على مدى سنين إلاّ ضيع قليلة.

تلال ووديان وصنوبر وبلّوط ورجال علم وأدب وشعر وصحافة وهندسة وطب وسياسة. وهالعطاءات اكتملت بلاهوتيين من رهبان وراهبات وكهنة، تجلّت نفوسن بالإيمان، وقلوبن بالمحبّة والرجاء، وتطلّعو صوب الخالق وما حدا غَيرو، فمَنَحُن بركاته، ومنح أبوين مكرّسين نفسن للشهادة للمسيح، وهنّي الأب ليونار عويس الملكي وتوما صالح، وذلك بزمن الحرب الكونيّة الأولى، وكانو بعزّ شبابن. وبعد استشهادن، وبعد جهد بذلو المخلصين، توصّلت الكنيسة عن قناعة تامّة إلى تطويبن، وصولاً للقداسة، ساعتا بتنعم بعبدات والكنيسة بقدّيسين جداد من لبنان هديّة للكنيسة وكرسي بطرس، ويكون لبنان بحقّ بلد القدّيسين.

هالبطلَين الشهيدين يللي من عنّا رح يخلّو عينن على ضيعتن وعلبنان، تيضلّو تحت حماية العدرا، ويكونو هنّي هلّق بضيافة الله والقدّيسين. 

طلبنا الدايم أنو يضلّ بلدنا مسوّر ومحمي من الشرّ، ويكون تطويبن بزرة تنتج ثمر كتير.

كلمة الدكتور ميشال غانم
الكبوشيون غصنٌ وفرع من رهبانية القدّيس فرنسيس الأسيزي ، تفرّعت من جذع الرهبانية الأساسي سنة 1528، وكانت لهم تطلعات مميزة نحو الشرق الأدنى، ذلك أنّ مؤسسهم القدّيس فرنسيس الذي ولد في مدينة أسيزي سنة ،1182 ومات فيها سنة ١٢٢٦، قد امتاز بتواضعه وبروح البساطة والفرح وحبّه للفقراء، وكان أثره الديني كبيرًا في الغرب طوال القرون الوسطى،  قد أوفد رهبانه إلى الأراضي المقدّسة حيث قاموا بشجاعةٍ وتضحياتٍ جمّة بخدمة الحجاج الفرنجة القادمين للصلاة في الناصرة وبيت لحم والقبر المقدس، ولم يكن لهم موطئ قدم في لبنان إلاّ في مدينة صيدا حيث أمّنوا الخدمات الروحية للفرنجة هناك، وكانت إقامتهم في المكان المسمّى خان الإفرنج، وكان عددهم خمسة.
أمّا إخوانهم الكبّوشيون الذين انفصلوا عنهم سنة ١٥٢٨، فقد أكملوا رسالتهم على خطى المؤسّس متأثرين بصفاته وتعاليمه. ومع قدومهم إلى  الشرق سن 1626 كانت غايتهم الأولى مدَّ جسور الوحدة بين الكنيسة الكاثوليكية وباقي الكنائس المشرقية، وليس خدمة البحارة والتجار والحجاج القادمين من الغرب.
اعتبروا الموارنة نقطة انطلاق لهم للوصول إلى الأرثوذكسيين، كون الكنيسة المارونية هي الوحيدة المرتبطة آنذاك بالكرسي الرسولي. وقد قاموا على مرّ خمسٍ وعشرين سنةٍ باتّصالات حقيقية مع رؤساء الطوائف الشرقية، فنالواحظوة عند البطريرك الأرثوذكسي «افتيموس كرمة» في حلب، وحاوروا البطريرك النسطوري «إيليا التاسع»، وتقرّبوا من البطريرك الأرمني «خجادور»، حتّى توصّلوا إلى تنصيب أول بطريركٍ للسريان الكاثوليك «اندراوس اخيجان» بالتعاون مع إخوانهم الكرمليين.
لقد زُوّد المرسَلون الكبوشيون إلى الشرق بنصائح سديدة تخطّط لهم طريقة تعاملهم مع أهل البلاد المشرقية، وقد رسموا لنفسهم خطوط عمل اعتبروها دستورًا لهم، وقد حرصوا على العمل بموجبها، وهي بعنوان «إرشادٌ للمرسلين إلى الشرق». فعندما كان الرهبان الكبوشيون يتّجهون نحو المشرق العربي بمغامرةٍ لا يدعمُهم فيها أحدٌ، ويتصرّفون بشكل أدّى بهم إلى القتل، وأساءَ إلى غيرهم من المرسلين، ذلك أنهم في حماسةٍ متهورةٍ أخذوا يجاهرون بأنهم مسيحيون، وأنّ كلّ من لا يتبع المسيح مصيره النارْ، سقطوا شهداء ، إنّما بغيرِ فطنةٍ وبغيرِ فائدةٍ ، فكان لا بدّ من وضع حدّ لتلك التصرفات.
شاءت الصدف أن وُجد في مركز المسؤولية راهبٌ كبّوشي جمع في شخصه كلّ الصفات التي تؤمّن نجاح الإرساليات الكبّوشية إلى الشرق، وتضع حدًّا للمغامرات الفردية التي تعرّض للأذى القائمين بها، وتخلق للمسيحيين المقيمين في الشرق وللتجار الفرنجة مشاكل ومفاجآت هم بغنى عنها، ولا تجدي نفعًا. إنّه الأب «جوزيف دوترامبليه» ( 1576-1638) الذي كان اليد اليمنى للكاردينال دي ريشيليو، وتوصّل إلى أعلى المناصب في الدولة الفرنسية، وتمكّن من إقناع الملك لويس الثالث عشر بضرورة مساعدة الرسالات الخارجية، وتدبير كلّ ما يلزم للرهبان. أذن له الرؤساء بالإقامة داخل القصر الملكي حيث تسلّم إدارة شؤون وزارة الخارجية. ساهم في تأسيس المجمع المقدّس لنشر الإيمان، المعروف بـ «البروباغندا»، وكانت أولى قراراته تعيين الأب جوزيف لإدارة شؤون الرسالات الخارجية التابعة للكرسي الرسولي.  وقد عَرِف هذا الراهب فعلاً كيف يضعُ حدًّا للمغامرات الفردية التي تُعرِّض المرسَلين الكبوشيين للخطر.

اختيار صيدا مهدًا للرسالة  
أقام الكبّوشيون في صيدا، في خان الإفرنج، على شاطئ البحر، واختارالأب جوزيف هذه المدينة نقطة انطلاق للرسالة في الشرق لعدّة أسباب منها : موقعها الجغرافي، وأهميتها الاقتصادية، ووجود جالية مهمّة من التجار الأجانب، وقضاء الأمير فخر الدين الثاني معظم أوقاته فيها، كما وجود طوائف متعددة منها الموارنة والروم الأرثوذكس والأرمن. 
وصلها الرهبان في حزيران سنة 1626 واستُقبلوا بحفاوةٍ، وأوّل ما قاموا به من مبادراتٍ هي زيارة مجاملةٍ إلى البطريرك يوحنا مخلوف في قنوبين، حاملين رسالة من الملك موجهة إلى البطريرك الذي قبِلها باعتزازٍ كبير، مبديًا تأمين أية مساعدة للأبوين الكبوشيين «فرنسوا دو سومير» و«جيل دي لوش» أوّل راهبين قدما  إلى صيدا، وقد ساهما في تأسيس مدرسة سنة 1626 بإشراف الأب جيل تسابق إليها الروم والموارنة، ثمّ أُقفلت بعد نقل مؤسّسها إلى القاهرة.

الكبّوشيّون والأمير فخر الدين 
بعد سنة 1632 تشتّت الكبّوشيون باتجاه حصرون وطرابلس إثر حملةِ الأتراك ضدّ فخر الدين، وضدّ الكبّوشيين بالذات، لتورّطهم في تنصّره وعمادته على يد الأب «أدريان دي لابروس» الكبّوشي الذي أعطاه إسم لويس فرنسوا في المعمودية، تيمّنًا بالملك لويس الثالث عشر والقدّيس فرنسيس. وهناك وثيقة في محفوظات إقليم توران تسردُ تفاصيلَ ما حدثْ. 
ففي سنة 1632 مرِض الأمير، وساءَت حالتهُ الصحيّة، وشارف على الموت، فاستدعى طبيبه الأب أدريان الذي أسِف أن يراه يموتُ قبلَ أن يصيرَ مسيحيًا ، فهرَعَ إلى ديرِه وصلّى هو ورهبانه، وقضوا طيلة ذلك اليوم صائمين، ثمّ عاد الأب أدريان فوجد الأمير بحالة أفضل، وقد استعاد وعيه الكامل، فحرّضه على عدم تأجيل العماد لخلاص نفسه. أجابه الأمير بأنّه، إذا أعطاه الله مزيدًا من الصحّة والقوّة فسينفّذ كلّ ما يريد الأب أدريان، وإنّه يفكّر بالأمر منذ زمن طويل، لكنه لم يُظهر عمّا في داخله خوفًا من القوات العثمانية، وإنّه كان ينتظر الظرف المناسب، وإنّه محمدي في الظاهر فقط سياسيًا، ورضي أن يعمّد بعدما حلّف الأب أدريان ألا ينشر الخبر.
شُفي الأمير، وبعد فترةٍ عاد ابنه من صفد فقال له أبوه، أمام الحاضرين: «يا ابني قبّل هذا الراهب، فلولاه لما وجدتني على قيد الحياة ، أنا أبوك وهو الآن بعد الله أبي، ومثلما أنك تحبّ أباك أريد منك أن تحبّه وتكرّمه مثلي». ويعودُ الفضل للأب أدريان في تعليم الأمير مبادئ الدين المسيحي عندما كان يتفقّدُه في مرضه.

مشروع إنشاء مطبعة
حاول الأب جوزيف دوترامبليه تحقيق أحلامه وتصوراته بالنسبة للرسالة في لبنان بالتطلّع إلى إنشاء مؤسسات تكمّل وتدعم رسالتهم، فكانوا وراءَ مشروع إقامة مدرسة مارونية بديلةٍ أو مماثلةٍ لمدرسة روما، ومحاولة نشر التراث الإيماني القديم بواسطة مطبعة تطال الطوائف على مختلف لغاتها من عربية ويونانية وتركية وسريانية وحبشية وأرمنية. ولكن كلّ أحلامهم لم تتحقّق بسبب معارضة باريس وروما للمطبعة، علمًا أنّه كان يوجد مطبعتين في لبنان: واحدة في دير مار أنطونيوس قزحيا باللغة السريانية والكرشونية، وعبد الله الزاخر في الخنشارة باللغة العربية.
إنّ فشل مشروع المطبعة لم يُحبِط عزيمة الكبوشيين الذين حصروا نشاطهم لتحقيق المؤسّسة الثانية وهي المدرسة التي أُنشأَت في بيروت، والتي ساهمت في تثقيف الشبان في جبل لبنان ليؤهلوا فيما بعد، وتُرسَلْ النخبة منهم إلى روما، ريثما يتسنّى للمجمع المقدس إنشاء مدرسة في إهدن أو شمال لبنان.وذلك نستنتج أنّ الكبوشيين ساهموا، من خلال رسالتهم في الشرق، في النهضة العربية، وكانوا رواد الرسالة المشرقية المارونية من خلال مؤلفاتهم التي من شأنها ترسيخ الإيمان وتدفئة التقوى ومرافقة الصلاة، وهذا ما نسميه اليوم بالإعلام المكتوب، ومعظم ما نشروه كان مترجمًا، وهنا نسأل هل وُجد غيرهم في ذلك العصر من تجرّأ وكتب؟

الكبّوشيون ينتشرون في المدن اللبنانيّة
من صيدا انتقل الكبّوشيون إلى حصرون، حيث أقاموا في دير قُدّم لهم، فساهموا في تثبيت الموارنة في إيمانهم وشجاعتهم والاضطهاد، فزالت الفكرة الشائعة آنذاك عن المرسل الذي لم يعدْ المغامرْ المنطلقْ نحو شعوب جاهلة متعصّبة، بل صار الصديق الوافد ليضع ذاته في خدمة الكنيسة المحلية.ولم تدمْ إقامتهم أكثر من ثلاث سنوات ونصف بسبب شنّ الجيوش العثمانية حربهم على الأمير فخر الدين، ممّا دفعهم إلى الهرب مع سكان جبل لبنان إلى طرابلس. 
في طرابلس كانت رسالة الكبوشيين الخدمة الدينية لجميع المسيحيين المشرقيين من مورانة وروم وسريان إلى جانب الإفرنج الموجودين فيها، ولم تكن رسالتهم فيها سهلة إذ واجهوا مصاعب كثيرة من مظالم واستبداد الحكام الأتراك المسلمين كونهم مبشرين مسيحيين، وقد نجحوا في تحويل مطران الروم والسريان فيها إلى أحضان الكاثوليكية وإلى سلطة البابا.
في غزير كان هدف الرسالة التثقيف الديني والروحي، وتثبيت موارنة كسروان بالإيمان المسيحي الكاثوليكي، وقد أعطاهم البطريرك الماروني صلاحيات كبيرة، كإقامة القداديس والوعظ والأسرار المقدّسة في الرعايا، وتدريس التعليم الديني نظرًا لقلّة الكهنة في هذه المنطقة. 
أمّا في عبيه، لم يسعَ الكبوشيون إلى تبشير الدروز بالمسيحية، بل تعايشوا معهم باحترام وتقدير، وإن لم يخالطونهم مباشرةً، وجعلوا منها مركز رسالةٍ وتبشير للمسيحيين في القرى المجاورة، بالتعاون مع كهنة الموارنة، ثمّ تحولت رسالتهم إلى خدمة الفقراء والأيتام والإهتمام بالتعليم المهني والخدمة الاجتماعية ومنها الخدمة الطبية.
في صليما نجح الكبوشيون بتنصير الأمير عبد الله اللمعي الذي بنى ديرًا ليكون باستلامهم وذا نجاج للرسالة فيها لنشر المسيحية الكاثوليكية في مناطق الجبل وعند الدروز بخاصّة بعد تنصّر الأمير فخر الدين.كما أنشأوا مركز طبي لهم لمعالجة مرضى المناطق المحيطة بها. ومن صليما انتقلوا إلى بعبدات فيما بعد ليؤسسوا ديرًا هو دير القدّيس أنطونيوس البادواني حيث يرعى شؤون الطائفة اللاتينية فيها منذ أواخر القرن التاسع عشر.

الكبّوشيون في المشرق
من لبنان انتشر الكبّوشيون على امتداد المشرق العربي وصولاً إلى بلاد فارس والهند، وإلى بلاد أفريقيا كمصر والحبشة، وإلى قبرص، فكانت رسالتهم الأولى في حلب حيث أسّسوا رهبنة نسائية وأقاموا ديرًا لهنّ وعُرفوا بالراهبات الكبوشيات على مثال مريم خاضعاتٍ لقانونِ القدّيسة كلارا، تلميذة القديس فرنسيس الأسيزي.    
ولقد ساهم الكبّوشيون في حلب بعودة السريان الأورثوذكس إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية على يد البطريرك «أندراوس أخيجان» وإعلان البطريرك الأرمني «كريكور بيتنراك» انضمامه إلى  الكتلكة.
في دمشق وبغداد والموصل ودياربكر عملوا عل  التبشير بالعقيدة الكاثوليكية لدى الطوائف المسيحية المشرقية كالأرمن والسريان والأورتوذكس والأشوريين والكلدان، وتوحيدهم مع كنيسة روما، كما أنشأوا في هذه المناطق مدارس يتثقفون فيها الناس علميًا ودينيًا، مع تقديمهم خدمات طبيّة من خلال وجود أطباء ساهموا في شفاء العديد من المرضى ومساعدة الفقراء، وقد نجحوا في تحويل بعض الطوائف المسيحية الشرقية الكلدانية إلى الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكية، ومساهمتهم في التحاق المطران يوسف الأول الكلداني بها، وحصوله على درع تثبيت من روما. وفي هذه المناطق بالذات عانى المسيحيون والرهبان المسالمون في كافة الطوائف الإضطهاد والتعصّب الديني ممّا أدّى إلى استشهاد الكثير منهم في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الأتراك، ولا سيّما الشهيدين الطوباويين الكبوشيين البعبداتيين ليونار عويس ملكي وتوما صالح والمطران الطوباوي الأرمني مالويان. وقد سبقهم في الشهادة الأبويين «أغاتنج وكاسيان» في الحبشة، على يد الأقباط الذين رفضوا تعاليم الكنيسة الكاثوليكية وعقيدتها، وقد أعلنهما البابا بيوس العاشر طوباويين سنة 1905. 

الكبّوشيّون يشاركون في المجمع اللبناني
ولا بدّ هنا من الذكر أنّ الكبوشيين شاركوا في أعمال المجمع اللبناني في اللويزة سنة 1736 من خلال الأخ «أغتنجلوس» الكبوشي، رئيس دير غزير، والأخ توسانوس الياس، رئيس دير بيروت، بالنيابة عن رئيس الرسالة الكبوشية في سوريا وفلسطين. 

الخلاصة
أخيرًا، نستنتج من خلال عرضنا أنّ الرهبان الكبوشيين، عند قدومهم إلى لبنان والشرق، فرضوا على أنفسهم ألاّ يتدخلوا بالأمور السياسية في كلّ المناطق التي عملوا فيها، مع أنّ حلمَهم الكبير كان تحريرُ الشرق من نير الأتراك وإحلال الحريّة. لقد امتنعوا عن أي نشاطٍ يدرُّ لهم المال فكانوا يوفرون ما يأتيهم من مساعدات من أيّ ملكٍ أو من روما لمساعدة الكنائس الفقيرة والعيال المعوزة أو الأسرى القابعين في قبضة السلطة أو الأفراد. كما أنّ ممارستهم الطبّ ظلّت دائمًا مجانية لأنه كان مفتاح رسالتهم خاصّةً في صليما وبغداد ودياربكر، ولولا الطبّ لما قبل بهم الناس ولا السلطات. وقد كانوا دعامة الكنائس الشرقية وعرابيها. واليوم نتساءل ماذا بقيَ من أثر للكبوشيين بعد سنة 1736 ؟
إنّ أثرهم ظلَّ قائمًا. فقد مهّدوا الطريق لغيرهم من الإرساليات كالفرنسيسكان وأخوة المدارس المسيحية في طرابلس واليسوعيين والإكليركية الشرقية في غزير والفرنسيسكان والإخوة الماريست في صيدا والرميلة وفي صليما لم تعد الحاجة إلى مدرستِهم الداخلية. وفي عبيه ظلَّ ديرُهم ناشطٌ والذي تأسّس سنة 1645. أمّا خارج لبنان فقد تركوا في حلب ودمشق حريّة العمل بدلاً عنهم للفرنسيسكان، وحلَّ محلّهم الكرمليون في بلاد ما بين النهرين.
في لبنان بقيَ لهم أديرةً في كلّ من بيروت وعبيه والبترون وصورات والمطيلب وبعبدات، وفي سوريا دير الزور وحوران، وأصبح للشرق رئاسةٌ إقليميّةٌ قوامُها رهبان لبنانيون بعد أن كان المرسلون الكبّوشيون من الأجانب وبخاصّة الفرنسيين.


كلمة المهندس فارس ملكي

بعبدات اليوم عم تشهد حدث مصيري، مَنّو الأوّل بتاريخا المعروف اللي بيمتد ع حوالى ٥٠٠ سنة. والحدث المصيري هوّي اللي بغيّر ببنية بعبدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية. اليوم عنّا حدث حلو وكبير، بحيث فينا نقول أنو بعبدات بعد ليونار وتوما ما رح تكون متل بعبدات قبل ليونار وتوما.

الليلة ما رح خبركن سيرة حياة الأبوين واستشهادن، بتلاقوا بالكتب، وبالموقع عالإنترنت ب ٣ لغات، وب قناة اليوتيوب اللي صار فيا ٦٠ فيديو ب ٥ لغات. بهالوقت القصير اللي عطيوني يا، رح جاوب على سؤالين، كتار منكن بيسألوني ياهن:

١- وين قبر الأبوين؟ ومن وين فينانحصل على دخيرة إلن؟ الجواب واضح وسريع: ما منعرف وين مدفونين الأبوين. ليونار قتلو بالصحرا ع الطريق بين ماردين وديار بكر. وتوما مات بحبس مرعش وما منعرف حتّى إذا طلعلو رتبة دفن مسيحية أو تصرّفت الحكومة بجثمانو. وبالتالي ما عنّا دخيرة لإلن إلاّ هالصورة اللي فينا نعتبرا دخيرة درجة تالتة، أخدا ليونار لما إجا بزيارة ع بعبدات سنة ١٩١١ وسَلَّما لخيّو فارس، يعني جدّي، وهيي من محفوظات العيلة.

٢- والسؤال التاني هوي: ليش قُتل ليونار وتوما، وليش صار في مجازر بحقّ المسيحيين بالشرق بالحرب العالميّة الأولى؟ رح قدملكن بعض المعلومات التاريخية الموثوقة وحطكن بالإطار التاريخي اللي حصلت في هالمجازر:
- بهيديك الإيّام كان مستلم الحكم بتركيا حزب إسمو حزب تركيا الفتاة، شعاره الإتحاد والترقي، أبرز المسؤولين في تلاتي: أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا.
- الكبّوشيين وغيرن من المرسَلين فضحوا هالشعار المزيّف، لأنّو عرفو بنوايا تركيا الفتاة الخبيثة، اللي ما كان بدّن  لا اتحاد ولا ترقي. كان مشروعن الحقيقي: تركيا للأتراك وبس.
- يعني، كل شخص أو مجموعة ما عندا ثقافة تركية، ولا عادات تركية، ولا تقاليد تركية، ولا لغة تركية، ولا دين تركي مسلم سني... ما إلا مطرح بتركيا. والمطلوب إمّا ترغيبا أو تهديدا ت تنضم للعنصر التركي، واللي بيرفض لازم نتخلّص منّو.
- المسيحيين بتركيا، كتار منن كانوا يحكو تركي، لكن لا ثقافتن تركية ولا عاداتن تركية ولا إيمانن متل الأتراك.
- لمّا ولعت الحرب العالميّة الأولى، شافو فيا جماعة تركيا الفتاة الفرصة أنّو يحققو هالهدف، يعني يتخلّصو من المسيحيين بتركيا. صفّو إلى جانب ألمانيا ضد التحالف بين روسيا وفرنسا وإنكلترة.
- السلطان محمد رشاد الخامس ما كان بدّو يحارب، وهدّد بالاستقالة، لكن تراجع بعد ضغط قوي من تركيا الفتاة. وكذلك الأمر بالنسبة للصدر الأعظم سعيد حليم. ومع هيدا وكلّو استقال أربع وزرا من الحكومة، بيناتن سليمان باشا البستاني.
- وضعت الحكومة اللي مسيطر عليا تركيا الفتاة خطة بالاشتراك مع الألمان، وبلّغتا لكلّ الولاة والمسؤولين: كيف يلقطو المسيحيي، كيف يدكوون بالحبوسة، كيف يعذبون، كيف يجرّون لبرّاة المدن، وكيف يصفّون بالطريقة المناسبة.
- ما تجاوب الكلّ مع أوامر الحكومة. حلمي بك متصرّف ماردين، مطرح ما كان أبونا ليونار... تحسين بك حاكم ڤان... رحمي بك حاكم إزمير...
- لمّا شافت الحكومة أنّو الوضع هيك، وما في التجاوب المطلوب، بعتت النايب حسن عارف، من أعضاء تركيا الفتاة المتشددين، يبرم عالمسؤولين والناس ويحرضن ضدّ المسيحيين... كما أنّو ضغطت الحكومة ع شيخ الإسلام، الشخصية التالتة بالسلطنة بعد السلطان والصدر الأعظم، ت يعلن الجهاد ضدّ الكفّار، يعني المسيحيين.
- وهيك صار فين يطبقو الخطة ويعملو اللي بدن يا.
- ليونار وتوما نقتلو بهالمناخ العام المشحون زورًا كراهيّة ضد المسيحيين.
- لَمّا اقتحم العسكر التركي دير ليونار بماردين لقيو دفتر أخوية مار فرنسيس، وادّعو أنّو فرنسيس يعني فرنسا، وركّبو التهمة ع أبونا ليونار أنو هوي عميل فرنسا... لكن التحقيقات والعذابات اللي تعرضلا ما جابو فيا ذكر فرنسا، وكانت كلاّ ضدّ المسيح والصليب والكنيسة والبدلة الرهبانية، وكان عرض الخلاص جاهز: نْكُر إيمانك المسيحي بتخلّص...
- ليونار وتوما ما نقتلو لأسباب سياسية، نقتلوا كرهًا بإيمانن المسيحي، والعذابات اللي تعرضولا شاهدة ع هالأمر.
- إسحق أرملة، خوري سرياني من ماردين، شاف كلّ شي، وكتب أهمّ كتاب عن المجازر عنوانو «القصارى في نكبات النصارى بقلم شاهد عيان» بقول:
إنّ تركيا ما أنزلت بنا المظالم، وما ارتكبت الجرائم، إلاّ لأنّنا نصارى مسيحيون، لا ذنب لنا قطعًا وأصلاً. فلأجل الدين المسيحي المحبوب عُذِّبنا، ولأجله ذُبحنا، ولأجله استيق رجالُنا ونساؤنا، 
ولأجله مُتنا أشنعَ الموتات.
- وفي كمان مصطفى كمال أتاتورك، ومتل ما بقولو: شهد شاهد من أهلها، عطى هالشهادة،  واعترف أمام المحكمة العسكريّة، في 28 كانون الثاني 1920، بما يلي:
إنّ الباشوات الذين ارتكبوا هذه الجرائم التي لا مثيل لها، والتي لا يُمكن تصوّرها، 
دفعوا البلاد إلى الوضع الحالي، ضمانة لمصالحهم الشخصيّة. 
أنشأوا كلّ أنواع الطغيان، وأشرفوا على عمليّات التهجير والمجازر، وأحرقوا الأطفال الرضّع بواسطة البترول، 
واغتصبوا النساء والفتيات تحت أنظار أهلهم المكبلين والمجروحين، وفصلوا البنات عن آبائهم وأمّهاتهم، 
وصادروا ممتلكاتهم الثابتة والمنقولة، ونفوهم حتّى إلى الموصل، وهم في حالة يُرثى لها، 
بعد أن مارسوا بحقّهم جميع أنواع العنف.
- وهالمجازر نفّذوا أشخاص أكيد مش متل المسؤولين اللي ذكرتن قبل ورفضوا يلوثوا إيدين بالدم. عملوا أشخاص متل ممدوح بك مثلاً، هيدا اللي بعتو من استنبول ع ماردين، ومعو صلاحيات مطلقة، ت ينفذ خطة القضاء على المسيحيين. رح قدملكن وصف لممدوح بك، بقلم ياسنت سيمون، راهب دومينيكي كان موجود بماردين وشاف كلّ شي وكتب كتاب عنوانو: «ماردين المدينة البطلة» بقول:
كان اسمه يمثّل الخشية، ونظرتُه توحي الإشمئزاز، وبدا كأنّه يملك جميع السلطات. كانت مشيتُه تكشف ادّعاءَه، وأحاديثُه تُظهر جَهلَه. ولئن سفكت يده اليمنى الدم، فإنّ يده اليسرى كانت تجمع المجوهرات. رأسُ بولدوغ مزروع على كتفَي حَمّال: وسيحمل رأسه الرعب، فيما ستحمل كتفاه حمولات من الماس المسروق. إنّه نيرون، بالاختصار، وقد تصنّع بمظاهر سلفه الكبير: كان له، من نيرون، القناع الجسدي، وقد أخذ عنه القلب، وسيأخذ عنه أيضًا الجنون.
جلاّد ماردين هذا... اسمُه ممدوح بك.
والنتيجة؟
- ١،٥ مليون أرمني قتيل (الإبادة الأرمنيّة génocide) ... نصف مليون سرياني كلداني أشوري إنجيلي (سفر برلك أو سيفو)... وما ننسى ٢٠٠ أو ٣٠٠ ألف ماروني من جبل لبنان راحو بالجوع (كفنو)
- مجزرة كبيرة أثارت هول العالم، ونحنا ما لازم ننسيا، ولا نميعا، ولا نساوم عليا.
شو عملت الكنيسة؟
- البابا بنديكتس الخامس عشر بعت مكتوب للسلطان بيستنكر في المجازر وبطالبو أنو ياخد إجراءات. وقع المكتوب بين إيدين تركيا الفتاة وما سلّمو للسلطان إلاّ بعد فوات الأوان. البابا سلطتو محدودة وما في يمنع الحروب. شوفو هلّق البابا فرنسيس عم يحاول يوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لكن البابا، بواسطة القاصد الرسولي باستنبول، المطران دولشي، ساعد كتير ناس. هوي مثلاً اللي تدخل ت يخفف الحكم على الرهبان رفقاتو لأبونا توما، من عشر سنين لعشر اشهر.
- البابا يوحنا بولس الثاني، بالإرشاد الرسولي «رجاء جديد للبنان»، بيوصف العلاقات بين المسيحيين والمسلمين على مرّ التاريخ، وبيقول أنّو مرقت بفترات نور وفترات ظلمة. الفترة اللي عاشوا فيا ليونار وتوما هيي فترة ظلمة بالنسبة للعلاقات بين التنين، لكنها فترة نور بالنسبة إلنا لأنّو عطيتنا تنين شهدا، ولأنو، متل ما بقول ترتليانُس، دم الشهدا هوي زرع للمسيحيين.
- اليوم الكنيسة بتقدملنا نموذج جديد من القدّيسين اللبنانيي، تحلّو بالفضائل المسيحية: محبّة أخويّة لأقصى الحدود، إيمان كبير بالربّ يسوع وثقة مطلقة بوصاياه، وشجاعة فوق العادة أمام العذابات. لكن أكتر فضيلة بتعنيلي إلي شخصيًّا هيي استعدادن لخدمة كلّ الناس من دون أي تمييز لطايفتن. وهنّي تعمدو بالكنيسة المارونيّة، ونالو سرّ التثبيت بالكنيسة اللاتينيّة، وراحو يخدمو بمنطقا ما فيا لا موارنة ولا لاتين، وكلّن أرمن وسريان وكلدان وأشوريين. أبدو استعداد كامل ليخدمون حتّى الاستشهاد.  
- بهالاستشهاد كانو كلّن مجموعين، من أرمن وسريان وكلدان وإنجيليين، المضطهِد ما ميّز بيناتن. برجع للبابا يوحنا بولس الثاني اللي قال أنّو مسكونيّة الشهدا هيي الأكثر إقناعًا لئلنا لنعجّل بتحقيق وحدة الكنائس. ليونار وتوما ما بيتشفعو بس بالطلاب اللي قضوا كلّ حياتن يعلمون بالمدارس، لكن كمان بيتشفعوا بالكنائس كلاّ. منصلّي معن ت تتحقّق هالوحدة المطلوبة من الربّ يسوع، والمرجوّة من كلّ المسيحيين. آمين.


شارك:
Facebook
تويتر
إطبع
Go To Top
انتقل إلى أعلى الصفحة
الفصل السابق

برنامج الأسبوع

برنامج الأسبوع

Previous Chapter
الفصل التالي

بعبدات تتهيأ للاحتفال الكبير

بعبدات تتهيأ للاحتفال الكبير

Next Chapter
Print
Go To Top
متابعة القراءة
...ومرّة أخرى، يـَـتـلـطَّـخ الثوب الفرنسيسي بدم الشهداء...
LeonardMelki
© فارس ملكي 2013