إحتفلت الرهبانية الكبّوشيّة في لبنان بالقدّاس الإلهي لتطويب الأبوين البعبداتيين الكبّوشيين، ليونار عويس ملكي وتوما صالح، وذلك يوم السّبت الواقع فيه ٤ حزيران ٢٠٢٢، الساعة ٦،٣٠ مساءً، في الباحة الخارجيّة لدير الصّليب- جلّ الدّيب. وارتفعت في باحة الدير، وعلى الطرق المؤدية إليه، صور المكرّمين والأعلام البابوية واللبنانية واللافتات التي حملت عبارات التهنئة والإيمان. وقد وضعت اللجنة التنظيمية باصات بتصرّف الوافدين لنقلهم من مكان ركن سياراتهم في مدرسة ڤال بير جاك إلى دير الصليب. وقد بلغ الحضور الشعبي حوالي الخمسة آلاف شخص جاؤوا من بعبدات، ومن مختلف المناطق اللبنانية.
وكان سبق الاحتفال، كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات، تلاوة
صلاة المسبحة، أسرار المجد، من إعداد الأب طوني حداد الكبّوشي، معاون طالب دعاوى القدّيسين في الرهبنة الكبّوشيّة.
ترأس الاحتفال موفد البابا فرنسيس، عميد مجمع دعاوى القدّيسين، الكردينال مارتشيلو سيميرارو، وعاونه النّائب الرّسوليّ لطائفة اللّاتين في لبنان، المطران سيزار إسّايان، ورئيس الرهبنة الكبّوشيّة في الشرق الأدنى، الأب عبد الله النُفيلي.
حضر الاحتفال البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الرّاعي؛ وبطريرك السّريان الكاثوليك، مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان؛ والمطران جورج أسادوريان، ممثلاً غبطة بطريرك الأرمن الكاثوليك، روفايل فرنسيس ميناسيان؛ والسّفير البابويّ، المطران جوزف سبيتيري؛ ولفيف من المطارنة والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات للرّهبانيّات، والكهنة والرّهبان والرّاهبات، وحشد من المؤمنين.
كما حضر أيضًا، قادمًا من روما للمناسبة، عميد مجمع الأساقفة، الكردينال ماريو غريك؛ والرّئيس العامّ للرّهبنة الكبّوشيّة في العالم، روبرتو جنوين؛ وطالب دعاوى القدّيسين في الرهبنة الكبّوشيّة، الأب كارلو كالوني؛ ومعاونه، الأب طوني حداد.
هذا وحضر القدّاس وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار، ممثلاً رئيس الجمهوريّة، العماد ميشال عون؛ والنائب هاغوب بقرادونيان، ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري؛ ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس، ممثلاً رئيس حكومة تصريف الاعمال، نجيب ميقاتي؛ والنائب رازي الحاج؛ واللواء الركن المتقاعد جورج شريم، ممثلاً وزير الدفاع موريس سليم، وقائد الجيش جوزف عون؛ والرائد رنا عصفور، ممثلة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم؛ وفعاليّات سياسيّة وعسكريّة ورسميّة وحزبيّة. واللافت حضور أقرباء الأب توما من مدينة تايلر في تكساس: داني صالح (٦٧ سنة)، إبن جميل، إبن سمعان، وسمعان هو شقيق الأب توما؛ وجو مارتل، إبن شارلين صالح، إبنة إڤلين صالح، إبنة سمعان.
خدمت القدّاس جوقة سيّدة اللّويزة بقيادة الأب خليل رحمة، ونُقل الاحتفال
بالمباشر على شاشة نورسات.
أنقل، فيما يلي، مجريات القدّاس. وكان المنظمون قد وزّعوا
نصّ القدّاس الرسمي على المحتفلين فقط، الموجودين على المذبح.
في بداية القدّاس قرأ المطران إسّايان الرسالة الموجّهة إلى البابا فرنسيس، بالفرنسيّة، من قِبله وقبل الرهبنة الكبّوشيّة في لبنان، والتي بموجبها يطلبان من البابا إعلان ليونار عويس ملكي وتوما صالح طوباويين. ثمّ تقدّم الأب كالوني ليبدأ بقراءة مقطع من سيرة حياة الأبوين واستشهادهما، بالفرنسيّة، ليكمل الأب طوني حداد القراءة بالعربيّة.
بعد الانتهاء من القراءة، وبناءً على ما ورد، أعلن الكردينال سيميرارو، باللاتينيّة، الرسالة الرسوليّة التي بموجبها يوافق البابا فرنسيس على الطلب، أصدرها في ١٨ نيسان ٢٠٢٢، ننقلها إلى العربيّة في ما يلي:
نحن، تلبية لرغبة أخينا سيزار إسّايان أسقف ماريوتس الفخريّ، النّائب الرّسوليّ على بيروت، وإخوة كثيرين، والعديد من المؤمنين، بعد أخذ مشورة مجمع دعاوى القدّيسين، بسلطتنا الرّسوليّة، نسلّم أنّ خادمي الله الكريمين ليونار ملكي وتوما صالح، الشّهيدين، الكاهنين المعترف بهما من رهبنة الإخوة الأصاغر الكبّوشيّين، الرّسولين البطلين لإنجيل يسوع حتّى سفك دمائهما، أن يدعيا من الآن وصاعدًا طوباويّين، على أن يحتفل بعيدهما في الأماكن ووفقًا للقواعد الّتي يحدّدها القانون، في العاشر من حزيران من كلّ عام. باسم الآب والابن والروح القدس. آمين.
ما أن أنهى الكردينال إلقاء كلمته حتّى علا التصفيق، وأنشدت الجوقة نشيد الفرح، وكُشف النقاب عن الصورة الرسميّة للطوباويين. ثمّ أُتي بذخائر الطوباويين، حملها الأخ إيلي رحمه، والأخ ريمون نداف الكبّوشيين، ووُضعت أمام المذبح. وبما أنه ليس لدينا ذخائر درجة أولى، ولا درجة ثانية، تمّ تقديم ذخائر درجة ثالثة مكوّنة من الرسائل التي كان الأبوان يرسلونها إلى رؤسائهم:
رسالة الأب ليونار في ١١ كانون الأوّل ١٩٠٦، بالإيطاليّة، و
رسالة الأب توما في ١٨ كانون الأوّل ١٩٠٨، بالإيطالية أيضًا، ممهورتين بختم طالب الدعوى العامّ لأنّه، من دون هذا الختم بالشمع الأحمر، لا يمكن اعتبارهما ذخيرتين أصليتين. بعد الاحتفال، عاد طالب الدعوى إلى روما، واصطحب معه الذخيرتين، مع العلم أنّه كان يمكن إيداعهما إلى جانب المذبح المخصّص للطوباويين في كنيسة القدّيس انطونيوس البادواني في بعبدات، كما هي رغبة المؤمنين.
ثمّ توالت القراءات. فكانت القراءة الأولى بلسان الأستاذ فيليب صالح، نسيب الأب توما؛ ثمّ المزمور أنشده الأخ مخايل مغامس الكبّوشي مع الجوقة؛ ثمّ القراءة الثانية بلسان الأستاذ فارس ملكي، نسيب الأب ليونار. قرأ الشماس الدائم توفيق مانويل الإنجيل، ومن بعده كانت
عظة الكردينال سيميرارو بالفرنسيّة، ننقلها إلى العربيّة فيما يلي:
“إن عطش أحد فليقبل إليّ” (يو 7، 37). إنّها الكلمات الأولى لإعلان يسوع في الإنجيل المقدّس، سمعناها الآن، وهي كافية بالفعل لكي تُشركنا وتعزّينا. هو يقول: “فليُقبل إليَّ!” ولكن لمن يقول ذلك؟ للصّالحين؟ لمن هم بدون خطيئة؟ لمن يحافظون على الشّرع الكنسيّ وكذلك شريعة الله؟ لا! إنّ يسوع يقول ببساطة: إن عطش أحد! هذا هو الشّخص الّذي يتوجّه إليه يسوع!
إنَّ الشّعور بالعطش يعني أشياء كثيرة. يتحدّث الإنجيل، على سبيل المثال، عن “العطش إلى العدالة” وهذا عطش يشعر به الإنسان جدًّا على الدّوام. واليوم أيضًا، وفي أجزاء كثيرة من العالم، لا يزال الظّلم يجرح البشريّة ويسبّب آلامًا كبيرة. في التّطويبات، يمدح يسوع هذا العطش، ولكن- كما يشرح البابا فرنسيس- من الضّروريّ أن نفهم أنّ العدالة الّتي يتحدّث عنها يبدأ تحقيقها في حياة كلّ فرد عندما يكون المرء عادلاً في قراراته، ويعبِّر من ثمَّ عن ذلك في السّعي لتحقيق العدالة للفقراء والضّعفاء والعُزَّل، وهذه هي القداسة.
أمّا في لغتنا البشريّة، فكلمة عطش تعني أيضًا شيئًا آخر. فهي تعبّر، على سبيل المثال، عن الرّغبة. لقد ولدنا جميعًا من رغبة: رغبة الله بالطّبع، وهذا هو سبب امتلاء كلّ فردٍ منّا بالرّغبات، وفي جميعها يمكننا أن نرى تاريخنا: أفراح وأحزان، نجاحات وإخفاقات، آمال وخيبات... ومع ذلك، نحتاج دائمًا إلى تمييز هذه الرّغبات، لأنّه لا أحد منّا يتّسم بشّفافيّة كافية تجاه نفسه لدرجة أن يعرف أين يقيم قلبه.
لذلك يدعو يسوع: أقبل إليّ! يعلّق القدّيس توما الأكوينيّ قائلاً إنّه يقول ذلك “ in impletione desideriorum” أيّ لتحقيق كلّ رغبة صالحة. ولكي يساعدنا على فهم هذا كلَّه، أوضح الإنجيليّ أنّ يسوع قال ذلك عن الرّوح القدس. لذلك، في هذا السّياق، نودّ، هذا المساء أيضًا، أن نتوقّف عند صورة الرّاهبين الكبّوشيّين اللّبنانيّين، الأب ليونار ملكي والأب توما صالح، اللّذين طوِّبا الآن كشهيدين.
من هم الشّهداء؟ للإجابة على هذا السّؤال، اعتبر القدّيس أمبروسيوس أنّ الكنيسة، وفي كلِّ مرّة تعلن فيها موت مخلّصها (وهذا ما نفعله عندما نحتفل بالإفخارستيّا المقدّسة)، تنال جرح حبّ. ثمّ يشرح قائلاً: “لا يمكن للجميع أن يقولوا إنّهم قد جُرحوا بهذا الحبّ، ولكن يمكن للشّهداء أن يقولوا ذلك لأنّهم جُرحوا بسبب المسيح، ولأنّه قد أُعطي لهم أن يُجرحوا بسبب اسمه، فهم يحبّونه أكثر”. لنتأمّل الآن إذًا في الحياة الأرضيّة لطوباويَّينا.
هما ضحيّتان على الصّعيد البشريّ، ضحيّتا موجة الكراهيّة الّتي انتشرت، مرارًا وتكرارًا، في نهاية الإمبراطوريّة العثمانيّة، وتشابكت مع الأحداث المأساويّة لاضطهاد الشّعب الأرمنيّ بأكمله، وضدّ الإيمان المسيحيّ. في الواقع، وفي تلك السنوات بالتحديد، اختار طوباويّانا أن يذهبا في رسالة. ورواية الأحداث الّتي أدّت إلى استشهادهما قد سمعناها في بداية الاحتفال. لذلك سأوجزها بإيجاز. في كانون الأوّل ديسمبر عام 1914، بينما لجأ جميع الكبّوشيّين الآخرين إلى مكان أكثر أمانًا، اختار الطّوباويّ ليونار أن يبقى في دير ماردين لمواصلة رعاية أخٍ مسنّ. وفي الخامس من حزيران يونيو عام 1915، تمّ اعتقال الطّوباويّ ليونار وتعرّض بعد ذلك للعنف والتّعذيب إلى أن قُتل مع رفاقه رجمًا ثم طُعِن بخنجر وسيف. أمّا الطّوباويّ توما، فقد تمَّ استقباله في كانون الأوّل ديسمبر عام 1914، مع إخوة آخرين له في دير أورفا. وإذ قُبِض عليه مع الإخوة الآخرين، سُجن في سجون مختلفة، وخضع للعديد من مسيرات الموت وعذابات رهيبة لكي يجحد بإيمانه. ولكن، تتوارث الكنيسة في لبنان ذكرى هدوءه وقوّته.
إذا قُلتُ إنّهما ضحيّتان على الصّعيد البشريّ، ولكنّهما فائزان في منظار الإيمان المسيحيّ. ولكن ما هي القوّة الّتي نتحدّث عنها؟ هي بالتّأكيد ليست إرادة السّلطة، الّتي تحكم غرائز المراوغة والسّيطرة، والّتي نشهدها بشكل مؤلم على جميع المستويات الشّخصيّة والجماعيّة والاجتماعيّة. لا! نحن نتحدّث بالأحرى عن موهبة القوّة الرّوحيّة، والّتي يشار إليها في العقيدة الكاثوليكيّة على أنّها الفضيلة الإنسانيّة الثّالثة؛ أيّ إحدى الفضائل الّتي تشكّل أساسات الحياة الفاضلة. لذلك، لا يتعلّق الأمر باستخدام قوّة العضلات، وإنّما الشّغف للحقيقة والمحبّة للخير وصولاً إلى نكران الذّات والتّضحية بالحياة. وبالتّالي فإنّ رسالة الكنيسة هي أيضًا أن تشهد لهذه القوّة.
كتب البابا الفخريّ بندكتس السّادس عشر في الرّسالة العامّة “بالرّجاء مخلَّصون” أنّ في تجارب الحياة ومحنها الخطيرة، لاسيّما عندما يتعيّن علينا أن نتّخذ قرارنا النّهائيّ لوضع الحقيقة قبل الرّفاهيّة، والوظيفة، والامتلاك، واليقين للرّجاء الحقيقيّ الكبير، عندها بالتّحديد نكون “بحاجةٍ لشهودٍ ولشهداء بذلوا ذواتهم بشكل كامل، لكي يُرشدونا إلى الطّريق يومًا بعد يوم. نحنُ بحاجةٍ إليهم لكي نُفضِّلَ حتّى في أصغر أمورِ حياتنا اليوميّة، الخيرَ على الرّاحة، عالمين أنّنا هكذا نعيشُ الحياةَ بشكل حقيقيّ”.
وهناك سؤال آخر: من يعطي الشّهيد الشّجاعة ليكون شاهدًا؟ الرّوح القدس هو الّذي يعطي الشّجاعة. هذا هو الجواب. وقد سمعناه من القدّيس بولس الرّسول: “إنّ الرّوح أيضًا يأتي لنجدة ضعفنا”. يخبرنا الآباء القدامى أنّ الشّهداء هم مثل الرّياضيّين الّذين وإذ تحرّروا من الملابس الّتي تمنعهم من السّباق، يركضون إلى الملعب يحرّكهم الرّوح القدس، لكي يفوزوا بإكليل النّصر.
لنصلِّ إذًا بهذه الكلمات المستعارة من القدّيس غريغوريوس النّاريكيّ: “إنّ الشّهداء الطّوباويّين، الّذين جُعلوا كاملين بآلامهم، هم يرقصون الآن سُعداء في وليمة لا تنتهي. بشفاعتهم وصلواتهم الّتي ترضي عينيك لأنّها ملوّنة بتقدمة دمائهم، اقبلنا نحن أيضًا يا ربّ، واحفظنا راسخين وثابتين بك لكي نبلغ إلى الخلاص الأبديّ.” آمين.
بعد العظة والنؤمن تقدّم القرّاء لتلاوة النوايا وعددها سبع:
- النيّة الأولى بلسان المندوب الدولي للغة الفرنسيّة لرهبنة مار فرنسيس للعلمانيين، ميشال جانيان (بالفرنسيّة)
- النيّة الثانية بلسان راهبة من راهبات الصليب، الأخت روز أبي سعد (بالعربيّة)
- النيّة الثالثة بلسان المسؤولة الوطنية لزهيرات مار فرنسيس، تراسي مقبل (بالعربيّة)
- النيّة الرابعة بلسان الخادم الوطني لرهبنة مار فرنسيس للعلمانيين، يوسف الترك (بالعربيّة)
- النيّة الخامسة بلسان عضو منظمة فرسان مالطا، جان لوي مانغي (بالفرنسيّة)
- النيّة السادسة بلسان نسيبة الأب ليونار، روز ماري ملكي غبريل (بالعربيّة)
- النيّة السابعة بلسان عضو مجلس الرهبنة الكبّوشيّة، الأخ فادي سركيس (بالعربيّة)
ثمّ بدأ زياح التقادم نحو المذبح، فيما كانت الجوقة تنشد المزمور «اللهمّ اجعل أحكامك للملك وعدلك لابن الملك». تقدّمت الزياح روان يوسف، من دليلات القديسة جان انتيد لمدرسة راهبات البزنسون في بعبدات، حاملة شجرة أرز صغيرة؛ ومن بعدها الشاب كريستوف خليل، من فرقة الكشافة في كنيسة القديس انطونيوس البادواني في بعبدات حاملاً شجرة نخيل صغيرة؛ ثمّ الأخت منى قرباني، من راهبات المحبة بزنسون، حاملة حزمة من القمح؛ ثمّ الدكتور هشام لبكي، رئيس بلدية بعبدات، حاملاً الصينيّة وعليها قربانة كبيرة؛ وأخيرًا الأخت محبّة حنا، من الراهبات الفرنسيسكانيّات لونس لوسونيي، حاملة كأس التقديس.
استمرّت الذبيحة الإلهيّة كالمعتاد، وحين بدأت المناولة تقدّم عشرات الكهنة للمساعدة وتوزّعوا في أرجاء الباحة.
وفي الختام، كانت
كلمة شكر للمطران إسّايان، بالفرنسيّة، ننقلها إلى العربيّة فيما يلي:
صاحب النيافة الكردينال مارشيللو سيميرارو، موفد الأب الأقدس البابا فرنسيس.
في ختام هذا الاحتفال، إنّه لأمر جيّد ومحقّ أن نعبّر لكم، وبواسطتكم إلى قداسة البابا فرنسيس، عن امتناننا وعرفان جميلنا لهذا التطويب. إنّ حضوركم بيننا كموفد من الأب الأقدس يذكّرنا كم أنّ لبنان وهويته عزيزان على قلبه.
نحن نتطلّع إلى هذا التطويب على أنّه رسالة من الربّ ومن الكنيسة إلينا، في هذه اللحظة الحاسمة التي يمرّ بها بلدنا. ولكن، على مثال الطوباويين ليونار وتوما، نلزم أنفسنا بأن نقوم، كلّ يوم، بإعطاء الحياة لإخواننا، من دون أي تمييز. معًا، نريد أن نعتني بالمرضى والجرحى والمهمشين، من دون أن ننسى أيّ واحد منهم، ونريد أن نعيش هذا العطاء بفرح، فرح الإنجيل، مخلصين لإيماننا بالذي غلب الموت من أجلنا، وجعلنا ندخل، بالفعل، القيامة المباركة.
صاحب النيافة،
نرجو منك نقل محبتنا الخالصة إلى الأب الأقدس، ورغبتنا بأن نراه بيننا، في أسرع وقت ممكن. قُل له إننا سننتظره المدّة المطلوبة، لنؤكّد معه، بصوت عالٍ، وبثقة تامة، أنّ لبنان هو وسيظلّ أرض الأخوّة والصداقة، وأرضًا مقدّسة، وأرض القداسة.
شكرًا لك يا صاحب النيافة.
بعد أن انتهى المطران إسّايان من تلاوة كلمته تقدّم الأب عبد الله النُفَيلي ليتلي كلمة بالعربيّة، فقال:
اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو.(مز 92: 12)
الأَبوَينِ ليونار وتوما، الرَّاهبَينِ الكبُّوشيَّينِ عاشَا الصُّعوباتَ والاضطهاداتَ والشَّدائدَ وبَقِيا شامِخَينِ في الإِيمانِ المسيحيّ كأَرزِ لبنانَ الَّذي يتحدَّى العواصفَ ويَبقى رافعَ الرَّأسِ مُنتَصِرًا. وتَغَلَّبا على الحِقدِ بالحُبِّ والشَّهادةِ والاستشهادِ مُتَجذِّرَينِ في مياهِ المعموديَّةِ كالنَّخلِ الَّذي يتحمَّلُ العُطشَ في الصَّحراءِ، ويَستقي الماءَ مِن المياه الجَوفيَّةِ.
إِبنَا بعبدات، البَلدةِ اللُّبنانيَّةِ المَتنيَّةِ يَسطعانِ بِنورِهما في كنيسةِ لبنانَ، ويَنشُرا عِطرَ قداستهما مع قدِّيسي لبنانَ: شربل ورفقا ونعمة الله ومع الطُّوباويَّين يعقوب الكبُّوشي واسطفان نعمة. هذا هو لبنانُ الَّذي تَغنَّى بهِ الكتابُ المقدَّسُ، لبنانُ وَقفُ الرَّبِّ الَّذي يُعطي قدِّيسين.
أَتَينا جميعًا مِن كلِّ المناطقِ اللُّبنانيَّةِ، وبَينَنا مَن أَتى مِن خارجَ لبنانَ، لِنشكُرَ اللهَ على نِعمةِ التَّطويبِ، ولأَنَّ لبنانَ كانَ ويبقى فيه عِطرُ القداسَةِ طافِحًا كعِبقِ البَخور في هيكَلِ الرَّبِّ.
باسمِ الرَّئيس العامّ للرَّهبنة الكبُّوشيَّة، الأَب روبيرتو دجنوين، الحاضِر فيما بَينَنا، وباسمِ كُلِّ الرُّهبانِ الكبُّوشيِّينَ في لبنانَ والشَّرقِ الأَدنى، أَشكُرُ نيافةَ الكردينال مارتشيلّو سيميرارو، رئيس مَجمع دَعاوى القدِّيسين في الفاتيكان لترأُّسِهِ احتفالَ التَّطويب. كما وأَشكُرُ نيافةَ الكردينال ماريو غريك لحضوره هذا القدَّاس. أَتوجَّه بالشُّكرِ إِلى أَصحابِ الغِبطةِ الَّذينَ شارَكونا هذه الفَرحة والَّذين كانَوا مِن الدَّاعمينَ لهذه المُناسبَةِ. أَشكُرُ سعادةَ السَّفيرِ البابويِّ المونسينيور جوزيف سبيتيري، وسيادة المُطران سيزار إسيَّان النَّائبَ الرَّسوليّ للاَّتين في لبنان، لمُساعدتِهِما لنا في تَحضير التَّطويب، كما وأَشكُرُ كُلُّ السَّادةِ الأَساقفةِ والكَهنةِ والرُّهبانَ والرَّاهبات. أَشكُرُ جميعَ الشَّخصيَّاتِ المدنيَّةِ والدِّينيَّةِ والسِّياسيَّة، مُمثِّل رئيس الجمهوريَّة، معالي الوزير وليد نصار، و مُمثِّل رئيس مجلس النُّواب، معالي الوزير هاغوب بقرادونيان، ومُمثِّل دولة رئيس الحكومة، معالي الوزير جورج كلاس. كذلك اشكر ممثل قائد الجيش، وممثل المدير العام للأمن العام، وكل العسكريين والأمنيين.
أَشكُرُ راهباتِ الصَّليب، أَخواتِنا، لاستضافَتِهنَّ لنا في هذا الصَرح المُبارَك، عند ضَريحِ أَبونا يعقوب الكبُّوشيّ، ولمُشاركتَهِنَّ ومُساعدَتَهِنَّ لنا: سويّاً فَرِحنا بتطويبِ أَبونا يعقوب، وسويّاً فَرِحينَ في تطويبِ الأَبوَين ليونار وتوما.
أَشكُرُ الرُّهبانَ الكبُّوشيِّين والآباء المُستشارينَ الأب ايلي رحمة، الأب مخايل مغامس، الأب شارل سلهب، والاخ فادي سركيس، وكُلِّ مَن عَمِلَ في الَخفاءِ وفي العَلَنِ لهذا التَّطويب. كما ونذكُر الأَب سليم رزق الله رحِمَهُ الله الَّذي بادَرَ في أَوَّلِ البَدءِ بِدعوى التَّطويب. كما وأَشكُر الرُّهبانَ في مكتبِ دعاوى القدِّيسينَ في الرِّئاسَةِ العامَّةِ في روما لِمُتابعتِهم مَلفَ التَّطويبِ بِحسَبِ الأُصول: الأَب كارلو كالُّوني، والأَب طوني حدَّاد.
أَشكُرُ لِجانَ التَّنظيم، كورال اللويزة بإدارة الأب خليل رحمة، المُتطوِّعينَ، الدفاع المدني، الصليب الاحمر، الرهبنة الثالثة، شبيبة مار فرنسيس، وجميعَ مؤسَّساتِ الإِعلامِ المرئيِّ والمسموعِ والمَكتوبِ، وكُلَّ مَن صّلَّى وعَمِلَ ليكونَ احتفالُنا احتفالٌ كنَسيٌّ سينودوسيٌّ مِلؤُهُ الشَّرِكَة، الرِّسالة والمُشارَكة.
عقبال التِّقديس!
وفي الختام قدّم المطران إسّايان والأب عبد الله دروعًا تذكاريّة إلى الكرادلة.