من عظة البطريرك بشارة الراعي في كنيسة السيّدة في الصرح البطريركي في بكركي، الأحد ٨ أيار ٢٠٢٢
إنّ كنيسة لبنان تفرح وتشكر الله على الطوباويين الجديدين اللذين يتم الإحتفال بتطويبهما بعد ظهر السبت في الرابع من حزيران المقبل الساعة السادسة والنصف مساء في باحة مؤسسة دير الصليب-جل الديب، وهما المكرمان الأب توما صالح والأب ليونار عويس من رهبنة الإخوة الأصاغر الكبوشيين، وكلاهما مارونيان من بلدة بعبدات-المتن وقد استشهدا أثناء الإبادة والحرب الكونية الأولى: الأب ليونار استشهد سنة 1915، والأب توما سنة 1917.
إن الآباء الكبوشيين يعتبرون الدعوة مفتوحة للمشاركة بكثافة في احتفال التطويب، شكرًا لله على هاتين النعمتين لكنيسة لبنان، وتكريمًا للطوباويين الجديدين. نسأل الله أن يقبل تشفعهما من أجل وطننا وشعبنا لينهض من أزماته السياسية والإقتصادية والمالية والإجتماعية، ويستعيد رسالته الخاصة في محيطه العربي.
- بيان رئيس الجمهورية، الجمعة ٣ حزيران ٢٠٢٢
شكر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس لتحقيقه، اليوم، أمنية غالية لدى اللبنانيين، بإعلان الأبوين الشهيدين، من بلدة بعبدات، ليونار عويس ملكي وتوما صالح، طوباويين على مذابح الكنيسة، في احتفال مهيب يقام بعد ظهر اليوم لهذه الغاية، في دير الصليب في جل الديب، حيث ضريح الطوباوي أبونا يعقوب الكبوشي، برئاسة رئيس مجمع دعاوى القديسين الكردينال مارتشيلو سيميرارو، ممثلا خاصًّا للأب الأقدس.
وقال الرئيس عون: "ببالغ الامتنان لا يسعني، بأسم اللبنانيين جميعًا، إلاّ أن أشكر قداسة البابا فرنسيس لأنّه من خلال هذا الاحتفال، يؤكد للعالم بأسره أنّ لبنان لا يزال في قلب اهتمامات الكنيسة، وهو سيبقى وطن القداسة الذي تعانق قممه السماء، ويرصِّع طوباويُّوه وقديِّسوه مذابح العالم."
وفيما توجه رئيس الجمهورية الى الحبر الأعظم بالدعاء بالعافية، متمنيًا أن يحقق رغبته بزيارة وطننا، لكي يظهر له اللبنانيون مدى محبَّتهم وتعلُّقهم به، رحَّب بحضور الكردينال سيميرارو للبنان، ممثِّلا للبابا فرنسيس، ومتمنيًا أن يحمل لقداسته صورة واضحة عن قيم الإيمان والعيش معًا التي يتمسك بها اللبنانيون، على الرغم من الصعاب.
وتوجَّه الرئيس عون إلى الرهبانيَّة الكبوشيَّة التي ينتمي إليها الطوباويان الجديدان وإلى بلدة بعبدات المتنية، مسقط رأسهما، بالتهنئة القلبية، وقال:"بين رهبانيِّتكم وبلدة بعبدات (بيت العبادة) مسيرة صلاة واتِّحاد إيماني تكلَّل بشهادات عطاء وبذل حتى الإستشهاد في سبيل الإيمان. ونحن اليوم، بأسم هذه المسيرة، وعلى رجاء استمراريَّة نبضها، نطلب شفاعة الطوباويين الجديدين للبنان، ليحملاه إلى دروب القيامة، هما اللذان اختبرا الألم وبذل الدم حتى تماهت حياتهما مع تاريخه، وليكونا مثالا حيَّاً لشباب لبنان اليوم، للتعلق بالوطن-الرسالة، والشهادة لقيمه إلى أقاصي الأرض".
- البابا فرنسيس بعد صلاة "إفرحي يا ملكة السماء"، روما في ٥ حزيران ٢٠٢٢
يوم أمس، في بيروت، تمّ تطويب اثنين من الإخوة الكبوشيّين الأصاغر، ليونار ملكي وتوما صالح، كاهنين شهيدَين، قُتلا بسبب إيمانهما في تركيا، في عامي 1915 و1917 على التوالي. هذان المرسلان اللبنانيان عاشا في بيئة عدائية، وأظهرا ثقة بالله لا تتزعزع، وتفانيًا في سبيل القريب. فليعزز مثالهما شهادتنا المسيحيّة. كانا شابين. لم يبلغا عمر الخامسة والثلاثين سنة. لنصفّق للطوباويَين الجديدَين.
- كتب الدكتور ناجي قزيلي، في موقع النشرة الإلكتروني، بتاريخ ٦ حزيران ٢٠٢٢، مقالًا بعنوان «لبنان، دهريّة الفداء»، جاء فيه:
بَعيدَةٍ، في أرضٍ غَريبَةٍ... لا لِسَبَبٍ إلّا لأنَّهما صاراهُ: هوَ الحَقيقَةُ المُطلَقَةُ، هو الآتي أرضَ البَشَرِ خَلاصاً، هو الحَياةُ الأبَدِيَّةُ.
مِنهُ أخَذا المُطلَقَ الذي لا مُساوَمَةَ فيهِ، فآثَرا مُعايَشَةَ دُروبَ صَلبٍ اقاما على مَحَطَّاتِها التي مِن قرىً وبيوتاً، فَرَحَ الإرتِفاعِ، بَعدَ كُلِّ ألَمٍ، صَوبَ السَماءِ. وَمِن مُطلَقِهِ اللامَحدودِ فاضَت شِباكُهُم بَشَراً يَسكُبونَ، بِدَورِهِم، على رَجسِ قُلوبٍ إمتَهَنَتِ التَوَحُّشَ، وإستَطابَتِ الحِقدَ وإستَشرَسَت للإِبادَةِ بإسمِ الدينِ والمُطالَبَةِ حَدَّ القَتلِ بالجُحودِ، سَحابَةَ الرَحمَةِ وَجَوهَرُها الغُفرانُ.
إن لَم تُعَمِّد ذاكَ القاصِدَ إلغاءَكَ بِشتَّى أنواعِ المَوتِ، بِدَمِكَ، لا يَكونُ إستِشهادُكَ في سَبيلِهِ، هو الشَهيدُ الأوَّلُ، ذَبيحَةً تًحيي العالَمَ.
ليونار ملكي وتوما صالح ذَهَبا الى أقصى هذا القَصدِ، الى جَذرِيَّةِ الصَيرورَةِ الكُليَّةِ بالمَسيح.
أهي عَلامَةُ جُرأةٍ لامُتناهِيَّةٍ؟ بَل قُل: عَلامَةُ أنَّهما مِن لُبنانَ.
أجَل! ما غيرُهما كان قادِراً على أن يُغالِبَ مَهاويَ الضُعفِ وَيَسلُكَ صُعوداُ جُلجُلَةَ الشَرقِ، جُلجُلَةَ العالَمِ، جُلجُلَةَ لبنانَ، إلَّا مَن كانَ مِن لبنانَ: هما ما جاهَرا بِنَظَريَّاتٍ في الحُرِيَّة بَل كانا حَقيقَتَها بِـ"نَعَم" لِلمَسيح. وَهُما ما إستَهابا تَخاذُلاً قد يأتي مِن ضُعفٍ يَستَجدي غَفوَةً، بَل إرتَقَيا الى ذُروَةِ ما يُمكِنُ أن يَبلُغَهُ مِلءُ إنتِماءٍ، لا فَردِيَّاً فَحَسب، بَل الذي يُقَوي عَزيِمَةَ المَحكُومينَ عَلَيهِم بالمَوتِ، رِفاقَهَم، لأنَّهُم الى المَسيحِ إنتِسابُهُم، فَتَزيدَهُم ثَباتاً في جَبلَتِهِ، في أرضِهِ، في سَمائِهِ.
"جَزَانا السَماءُ"! صَرَخا... فَصَرَخوا مَعَهُما.
"جَوابُنا المَسيحُ"! صَرَخا... فَصَرَخوا مَعَهُما.
إذذاكَ سَقَطَ الجَلَّادونَ في المَوتِ، وَهُما إرتَفَعا وَقوافِلُهُما الى الحَياةِ.
أبُطولَةُ شابَّانِ مِن لبنانَ؟ انا، ما قُلتُها بَعدُ. سَبَقَني إليها خَليفَةُ بُطرُسَ، مُوَقِّعاً عَلى كَلامِهِ بِحِبرِ الخُلودِ في القَداسَةِ! آهِ بُطرُسَ! أتَذكُرونَ؟ ذاكَ الَذي نَبَّهَهُ المُعَلِّمُ: "سَتَشُكُّونَ فِيَّ كُلُّكُم... وأنتَ سَتَنكُرُني ثَلاثًا، قَبلَ صِياحِ الديكِ"! وَكانَ المُعَلِّمُ في هَولِ أحكامِ مَهاويَ مُبتَكِري المَوتِ وَمُعتَنِقي الجُحودِ.
حتَّى المُعَلِّمُ نَفسُهَ إعتَرَتهُ حِينَها مَخافَةٌ...
وَهُما؟ لا! أبَدا. الآنَ أقولُها: هِي تِلكَ بُطولَةُ شابيَّنِ مِن لبنانَ. بُطولَةُ قَداسَةٍ مُتَدَفِّقَةٍ مِن إمتِلاءِ إتِّحادِهِما فيهِ هو. هو الَذي لَهُ صَرَخا: "لا لَنا، بَل لَكَ، لإسمِكَ، لِمَشيئَتِكَ، ها هوَذا جَسَدُنا، وَها هوَذا دَمُّنا!"
أجَل! لأّنَّهما مِن لبنانَ، بَلَغَ تَحَدِّيهِما لَهُ الى هَذا الحَدِّ. نَضَحا دماً، لا عَرَقاً، والعَالَمُ في سُباتٍ عَميقٍ، في إستِسلامٍ أصَمَّ، في مَوتٍ لا مُبالٍ... وَسَيَبقى.
ما بالُكُم نائِمينَ؟
هي تِلكَ صَرخَتُهُم، اليَومَ، ليونار وتوما، توما وليونار، اللبنانييَّن بالحَقِّ، إذ تُمَجِّدُهُم كَنيسَةُ الأرضِ، وَتُهَلِّلُ لَهُم كَنيسَةُ السَماءِ، لأهلٍ جاثِمينَ فَوقَ خَرابِ المَوتِ وأنقاضِ الجَحيمِ، وَدُيوكُ العالَمِ في صياحٍ، لا ثَلاثاً، بَل ثَلاثينَ ثَلاثينَ ثَلاثاً.
ألا إنهَضوا، كوناهُ هوَ، كونوا مُسَحاء! تَحَصَّنوا بإسمِهِ، أفيضوا ذَبيحَةً بِها تَندَحِرُ أبوابُ الفَناءِ!
ألا كونوا هذا الواقِعَ، بِوَجهِ كُلِّ أمرٍ واقِعٍ. وَفي زَمَنيَّةِ الإفناءِ كونوا دَهرِيَّة الفِداءِ. إذ ذاكَ تُعطَونَ، مِن فَوقٍ، مِنَ السَماء، أن تَكونوا حَقَّاً لُبنانييِّنَ: أبناءَ تِلكَ القِمَّةِ الأغزَرَ مِمَّا هي، والأسمى مِمَّا هي: أبناءَ لبنانَ المَهدوفِ إليه، مِن أقاصِيَ الأرضِ الى بُلوغِهِ، لا العَكسُ... لبنانَ الرَسوليَّ، مِن أقاصِيَ الأرضِ إلى أقاصِيَ السَماءِ، لا لبنانَ الرِسالَةِ فَحَسبَ.
- أشار وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي، إلى أنّ "تطويب الشهيدين الأبوين ليونار ملكي وتوما صالح الكبّوشيين أشعرني بأنّ لبنان بخير"، معتبرًا أنّ "أرض لبنان معطاءة وهي مباركة ليس فقط للكنائس المسيحية بل لجميع اللبنانيين".
وفي حديث تلفزيوني، لفت الحلبي إلى أنّ "لبنان قادر على استيعاب كلّ هذا التنوّع، وإرادة الخير تغلب إرادة الشرّ، وهذا ما اعتقد أنّه سرّ بقاء لبنان، فحتى في المحطات المظلمة ينبعث نور يشرق على الوطن".
وبارك الحلبي للكنيسة هذه المناسبة، واستذكر الشهيدين اللذين قضايا في سبيل إيمانهما، معتبرًا أنّ "هذا أمر بالغ الأهمية ويجب التوقف عنده، فدائما هناك تضحية ما ليرتفع الشخص إلى مرتبة القداسة وهذا احد الاسرار"، مضيفا :"دورهما كان العطاء والتفاعل مع الاخر واطلعت على سيرتهما، ورأيت أنهما دفعا ثمن إيمانهما باسعاف الاخر والبقاء معه، وهذا ما اوصلهما إلى هذه المرتبة من الطوباوية".